منير الربيع –
حركة السفير الأميركي في لبنان ميشال عيسى المكثفة، تشير بوضوح إلى الدور الذي يضطلع به، فهو سفير سياسي ما فوق ديبلوماسي، وعلى ما يبدو فالمؤشرات تفيد بأنه يساهم في إبداء ليونة أميركية لدى مقاربة الملف اللبناني. لم تكن زيارة عيسى إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري على مدى يومين متتاليين بالأمر البسيط أو التفصيلي؛ بل زيارة تحمل الكثير من الدلالات والمعاني. إذ يأتي تحرك عيسى على مسافة أيام من انتهاء المهلة الممنوحة للجيش اللبناني كي ينجز مهمته في سحب السلاح من جنوب نهر الليطاني. مسعى السفير الأميركي هو تفهم الموقف اللبناني والمساهمة في تمديد المهلة الممنوحة للبنان، وقد تصل إلى شهرين إضافيين كي يستكمل الجيش اللبناني العمل في منطقة جنوب الليطاني وسحب سلاح حزب الله على نحوٍ كامل.
فرصة للسلام
ووفق المعلومات فإن عيسى مقتنع بأهمية منح لبنان فرصة جديدة، ولكن بشرط أن لا يتم كسب الوقت، وأن يكون هناك التزام جدي من قبل مختلف الأطراف حول ضرورة تطبيق الشروط المطلوبة وأهمها ملف السلاح، بالإضافة إلى الإصلاحات الأخرى، علماً أن “السلاح” يتقدم على كل الملفات الأخرى. الأهم بالنسبة إلى عيسى يبقى أن يسلك لبنان طريق السلام عبر المفاوضات المباشرة، لذلك فهو ينطلق من فكرة “إعطاء فرصة لمسار السلام”. هذا السلام الذي يريد دونالد ترامب تكريسه في الشرق الأوسط. وللمفارقة أيضاً أن أعضاء الوفد الأميركي من مجموعة الدعم الأميركية الذي يزور لبنان، كرر كلمة سلام أكثر من مرة في لقاءاته مختلف المسؤولين، وشدد أعضاء الوفد على أن السلام بين لبنان وإسرائيل ممكن جداً من ضمن مسار اتفاقات السلام في المنطقة.
احتواء السلاح
على هذه القاعدة، يحاول عيسى أن ينتهج نهجاً ديبلوماسياً وسياسياً بعيداً عن التصعيد، مع محاولة إقناع حزب الله بالموافقة على المتغيرات والتعامل معها بواقعية، لتجنب الدخول في حرب جديدة. هذا المسار هو الذي دفع عيسى إلى الحديث عن احتواء السلاح بدلاً من الحديث عن سحبه أو نزعه ولو بالقوة. يعني هذا الكلام أن واشنطن تريد الحصول على موافقة ضمنية من حزب الله حول تجميد السلاح تمهيداً للتخلي عنه، بالإضافة إلى الانخراط بمسار سياسي جديد. علماً، أن كلمة احتواء السلاح وردت أيضاً على لسان الموفد الأميركي توم باراك ومسؤولين آخرين، وهي العبارة التي يستخدمها الجيش اللبناني في خطته، كما استخدمها من قبل رئيسا الجمهورية والحكومة.
ترامب والمساعي الديبلوماسية
بالنسبة إلى الأميركيين وغيرهم من الدول ولا سيما السعودية، ما تحقق في هذا العهد والحكومة متقدم جداً، وقد عجزت الحكومات السابقة على مدى سنوات طويلة عن تحقيق أقل منه بكثير. هذا ما يفتح الباب أمام منح لبنان فرصة، انطلاقاً من المسار الذي ينتهجه السفير الأميركي والذي سيكون هو بنفسه ممسكاً بالملف اللبناني كاملاً بلا أي تدخل من مبعوثين يأتون من الخارج. في لبنان، هناك من استشعر بعض التحول في الموقف الأميركي، وبحسب المعلومات فإن عيسى هو الذي أسهم بذلك من خلال تواصله المباشر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وشدد على أن فرصة السلام ممكنة، ولذا لا بد من منح لبنان فرصة. هذا الكلام هو الذي دفع ترامب إلى القول إن هناك سلاماً عظيماً في الشرق الأوسط، وسيكون سلاماً قوياً، ولذا لا داعي لأحد للتدخل والتعامل مع حزب الله، وأن هناك دولاً كثيرة تبدي استعدادها للتعامل مع الحزب، ولكنني قلت لهم إنه لا حاجة لذلك الآن، وقد تضطرون لفعل ذلك”. يشير هذا الكلام بوضوح إلى أن ترامب يعطي مجالاً للمساعي الديبلوماسية.
شهران إضافيان لجنوب الليطاني
وبحسب ما تفيد مصادر ديبلوماسية فإن لبنان سيمنح مهلة شهرين لاستكمال العمل على تطبيق خطة حصر السلاح في جنوب نهر الليطاني، وقد تلقى اللبنانيون نصائح بأن لا يعلن الجيش في نهاية شهر كانون الأول بأنه أنجز مهمته في جنوب الليطاني وهو لم ينجزها بالفعل لأن ذلك سيؤدي إلى ردة فعل إسرائيلية تصعيدية، بينما الأفضل أن يطلب لبنان تمديد المهلة، بشرط أن يواصل العمل بجدية على سحب السلاح بما في ذلك الدخول إلى الأملاك الخاصة والمنازل.
الحزب يرتاح لـ”الاحتواء”
في موازاة هذه المهلة، من المفترض أن تتواصل التحركات الديبلوماسية الأميركية لأجل إقناع لبنان في توسيع هامش المفاوضات مع الإسرائيليين على المستوى المدني، مع إمكانية انضمام مدنيين جدد إلى التفاوض، بمن فيهم شخصية من الطائفة الشيعية. وهذا المسار لا ينفصل عن مسار محاولة إقناع الثنائي الشيعي، ولا سيما حزب الله، بالانخراط في تسوية سياسية شاملة، ما يساهم في تجنيب لبنان أي حرب جديدة. في المقابل، وبحسب المعلومات، فإن حزب الله يفضل تجنب أي حرب جديدة، وهو وإن لم يوافق على سحب السلاح، لكنه لا يمانع في اعتماد مبدأ تجميد السلاح، أي ابقائه في المخازن بلا أي عملية نقل أو تحريك أو استخدام، وسط ضغوط لدفعه إلى عدم السعي لإدخال أي أسلحة جديدة، أو العمل على إعادة بناء قدرته العسكرية. ومن غير الواضح كيف ستكون ردة الفعل الإسرائيلية في التعامل مع هذا الطرح.
عيسى ومؤتمر باريس
إلى جانب المسار السياسي، فإن العمل تجدد لأجل إحياء زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة الأميركية، وبحسب المعلومات، فإن السعوديين دخلوا على الخطّ مع الأميركيين في محاولة لإعادة جدولة زيارة قائد الجيش، كما أن عيسى لعب دوراً في ذلك أيضاً، وعليه فإن الاجتماع الذي سيعقد في باريس الأسبوع المقبل ويضم الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، الموفد السعودي يزيد بن فرحان، مستشارة الرئيس الفرنسي آن كلير لوجاندر، سيكون محطة أساسية لإعادة جدولة زيارة هيكل الى واشنطن، علماً أن قائد الجيش عمل على إعداد لائحة كاملة حول ما أنجزه الجيش، والمساعدات التي يحتاجها كي يتمكن من استكمال الانتشار والسيطرة وسحب السلاح.
تطبيق الطائف كاملاً
يسعى لبنان إلى تجنّب الحرب الإسرائيلية، ولذلك فهو يرد على كل التهديدات ورسائل التحذير بأنه يسعى إلى تطبيق اتفاق وقف النار كاملاً، بالإضافة إلى حصر السلاح بيد الدولة. ومن المواقف التي يبلغها لبنان للقوى الخارجية، بأنه لا يريد لعملية سحب السلاح أن تتحول إلى حرب أهلية داخلية، وأن ذلك يحصل من خلال التفاهم بين القوى. في هذا السياق، تربط مصادر متابعة بين الاتصالات الدولية والعربية التي تجري مع الثنائي الشيعي، بالاستراتيجية الأميركية الجديدة التي صدرت والتي لا يشير الأميركيون فيها إلى نيتهم إسقاط النظام الإيراني بحال تم الوصول إلى اتفاق مع إيران. هذا الاتفاق بحال حصل سيكون له انعكاسه على الوضع الشيعي عموماً، وهذا ما يعمل عليه نبيه بري مع الأميركيين ومع غيرهم من خلال السعي للوصول إلى اتفاق سياسي شامل، وهو ما أصبح يعرف بتطبيق الطائف كاملاً.
3 ضمانات
في هذا السياق، يمكن الحديث عن نوع من التواصل مع الثنائي الشيعي مع قبل جهات خارجية عديدة بحثاً عن تفاهمات ومخارج، فيما الشيعة في لبنان يريدون ثلاث ضمانات: الأولى أميركية إسرائيلية بعدم استمرار الضربات والاغتيالات. الثانية، ضمانة من سوريا وأحمد الشرع، عبر توسيع مروحة التفاهم السني الشيعي والتفاهم اللبناني السوري. وأما الثالثة فهي ضمانة في الداخل تتعلق بالتركيبة السياسية، وهو ما يفترض تثبيته من خلال تطبيق اتفاق الطائف كاملاً.


