صلاح سلام –
أشاعت زيارة البابا لاوون الرابع عشر المرتقبة إلى لبنان مناخاً واسعاً من الأمل والرجاء، في لحظة يحتاج فيها اللبنانيون إلى بارقة ضوء بمواجهة قتامة المشهد الأمني والسياسي. فالبلد الذي يواجه موجة جديدة من الاعتداءات الإسرائيلية، ويعيش وسط تهديدات متواصلة وتوترات إقليمية متصاعدة، وجد في الزيارة البابوية حدثاً استثنائياً يعيد إليه شيئاً من الاطمئنان، ويؤكد أن المجتمع الدولي لم يُدر ظهره لمعاناته.
لكن القيمة الحقيقية لهذه الزيارة لا تكمن فقط في بُعدها الروحي أو الرمزي، بل في ما يمكن أن تُحدثه من دفع دبلوماسي فعلي إذا أحسن لبنان توظيفها. فالفاتيكان، رغم محدودية أدواته المباشرة، يملك تأثيراً معنوياً كبيراً على الساحة الدولية، لا سيما مع واشنطن وعواصم القرار الدولي الأخرى، ويستطيع من خلال علاقاته الواسعة أن يُسهم في تخفيف الضغوط على لبنان، سواءٌ عبر التذكير المستمر بحقوقه المشروعة في تحرير أراضيه أوعبر التشجيع على إطلاق مبادرات دولية لحمايته من الاعتداءات المتكررة.
صحيح أن الفاتيكان لا يمتلك القدرة على وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية بقرار مباشر، لكن صوته يتمتع بوزن أخلاقي يُسهم في تضييق هامش الحركة أمام أي تصعيد غير مبرّر. فمجرد أن يضع البابا القضية اللبنانية على الطاولة الدولية، ويطالب علناً باحترام السيادة اللبنانية وحماية المدنيين، يساعد ذلك في خلق مناخ ضاغط على المواقف المتشددة ويعيد تسليط الضوء على المخاطر التي يتعرض لها البلد الصغير تحت وطأة آلة الحرب.
أما على المستوى الداخلي، فإن الزيارة يمكن أن تفتح نافذة مهمة يمكن للبنانيين الإفادة منها لتخفيف حدة الانقسامات السياسية والطائفية. فالكلمات التي يطلقها البابا ، والدعوات المتكررة إلى التلاقي والحوار واحترام الدولة ومؤسساتها، يمكن أن تشكّل أرضية لجهد وطني جديد إذا توفرت الإرادة السياسية. فالفاتيكان يحظى بمكانة خاصة لدى مختلف الأطراف المسيحية، كما يحترمه جزء كبير من اللبنانيين المسلمين، ما يمنحه قدرة فريدة على مدّ جسور تواصل بين القوى المتخاصمة.
ومع ذلك، يبقى نجاح هذا الدور مرهوناً بقدرة اللبنانيين أنفسهم على التقاط اللحظة وعدم تركها تمرُّ كسابقاتها. فالدعم الدولي لا يمكن أن يثمر إذا لم يترافق مع مبادرة داخلية تُعيد الاعتبار للدولة وتُرمّم الثقة بالمؤسسات وتُحيي منطق الحوار بدل المواجهة.
إن زيارة البابا لاوون الرابع عشر ليست مجرد حدث بروتوكولي، بل فرصة ثمينة للبنان كي يكسر عزلته، ويستعيد موقعه على الخارطة الدولية، ويذكّر العالم بأن هذا البلد، رغم أزماته، يستحق الحياة والدعم والحماية.
ويبقى السؤال: هل يملك لبنان القدرة على تحويل هذه الزيارة من صفحة مضيئة عابرة إلى محطة سياسية مؤثرة في مسار أزمته؟


