رسائل خطيرة لاغتيال الطبطبائي.. و”الحزب” يدرس الخيارات (محمّد حميّة)

حملَت عملية اغتيال القيادي في حزب الله هيّثم الطبطبائي جملة رسائل أمنية وعسكرية وسياسية في أكثر من اتجاه:
*رسالة الى حزب الله بأن لا مكان آمن لقياداته وكوادره المسؤولين عن ترميم قدراته وإعادة تسليحه حتى في الضاحية الجنوبية، وأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية قادرة على الوصول الى أي قيادي مهما بلغ مستواه وموقعه في الهيكلية القيادية والتنظيمية للحزب، وأنها لن توفّر أي هدف حتى لو كان في العاصمة بيروت، وماضية في بذل الجهد الاستخباري الأقصى واستخدام كافة تقنيات الذكاء الصناعي لمراقبة وتعقب واغتيال قيادات الحزب وعناصره لمنعه من إعادة ترميم قدراته وتهديد أمن إسرائيل بعد سنوات.
*الإختلال بموازين القوى العسكرية و”الجيوبوليتيكية” التي أفرزتها حرب العامين وإسقاط النظام السوري وغيرها من الأحداث الإقليمية والدولية، أسال لُعاب إسرائيل لفرض مجموعة من قواعد الاشتباك الميدانية في ضوء الميزان الجديد، (احتلال النقاط الخمس ونقاط إضافية – التوسع وعمليات التوغل والتسلل والإنزال والاغتيال واستهداف أي حركة عسكرية أو أعمال أشغال الى جانب حرية الحركة الجوية، ونسف مبانٍ بعد الإنذار لتجنب استهداف المدنيين، فأرادت أن تفرض قاعدة اشتباك جديدة وهي الضرب في عمق الضاحية لاغتيال قيادات الحزب من دون إنذار وفي منطقة سكنية.
*عطفاً على النقطة السابقة، فإن استهداف حارة حريك قد تكون فاتحة لسلسلة ضربات متتالية لاستهداف الضاحية الجنوبية بشكل مركز أكانت الذريعة وجود قيادات أو الاشتباه بذلك، وذلك للضغط على الحزب من جرحه، أي بيئته وجمهوره، والدفع باتجاه تهجير أهالي الضاحية لاعتبارها قلعة الحزب الأولى والمركزية لما تحويه من مراكز المقاومة العسكرية والسياسية والثقافية والدينية والاجتماعية والمالية والاقتصادية، ولطالما كان المسؤولون الاسرائيليون يضعون الضاحية نُصبَ أعينهم وما يعرف بـ “عقيدة الضاحية” النظرية التي وضعها رئيس أركان الجيش الاسرائيلي السابق “إيزنكوت” لإضعاف حزب الله من داخله، أي أن التركيز على الضاحية يضرب الحزب ومجتمعه وحاضنته الشعبية أو بيئته الحاضنة ويدفع الأخير للتنازل.

*رسالة الى الداخل الإسرائيلي مفادها أنه بعد عامين من الحرب مع لبنان حصل تحول هائل بمعادلات الردع والقوة، من معادلة “إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت” ومعادلة “خيمتي شبعا”، الى استهداف الضاحية من دون أن يقوَى الحزب على الرد، ما يعني أن إسرائيل غيرت المعادلة مع لبنان وأرسَت معادلات ردع قاسية لصالحها.. فإلى جانب أبعادها العسكرية، شكلت ضربة الأمس فحص أو اختبار لموازين القوى ولمدى قدرة الحزب على الرد.
*رد بالنار على الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بعد أقل من ٤٨ على خطاب الإستقلال الذي تضمّن مبادرة لوقف العدوان وإنهاء الاحتلال عبر التفاوض وحصر السلاح بيد الدولة، وأن إسرائيل لم تعد تثِق بنية وقدرة الحكومة اللبنانية على نزع سلاح الحزب وباتت هي من سيتولى المهمة من الآن فصاعداً.
لا تُخفي مصادر مطلعة على موقف حزب الله خطورة الوضع القائم، وأن إسرائيل استطاعت كسر موازين القوى بدعم أميركي ومجموعة دول استخدمت كل إمكاناتها وتقنياتها في الحرب للقضاء على حزب الله والمقاومة، لكنها ورغم كل الضربات واجهت وصمدت وأحبطت الأهداف العسكرية والسياسية للحرب وفرضت على إسرائيل وقف إطلاق النار ومضت في عملية ترميم قدراتها، مضيفة: العدو الإسرائيلي يتباهى بما يعتبره إنجاز باغتيال القيادي الطبطبائي، لكن من الطبيعي أن يتمكن العدو من اغتياله بعد عقود من ملاحقته، لا سيما وأن الشهيد لم يهدأ يوماً في السعي لإعادة الترميم ولم يختبئ، كما أن العدو أُصيب بالعمى الاستخباراتي ولا يعرف القيادة الجديدة للحزب وهو لايزال يستند في عملياته الى “الداتا” القديمة وبنك المعلومات السابق، لذلك المقاومة اليوم تدفع ثمن ترميم قدراتها شهداء قادة تحضيراً لمواجهة أي عدوان كبير واجتياح بري للبنان في أي وقت.
وتضيف المصادر المقاومة أمام خيارات صعبة: بين تحمُّل استمرار العدو لاستهداف قياداتها وعناصرها ومراكزها وبيئتها وأهلها، وبين الرد على العدوان وتدحرج الأمور الى تصعيد كبير أو حرب واسعة النطاق ستطال بنارها المدنيين قتلاً وتهجيراً! وتكشف المصادر أن قيادة المقاومة تدرُس كافة الخيارات بميزان من ذهب. وتُحذر المصادر من فخٍّ قد يكون العدو نصبه للحزب لاستدراجه الى الرد ليشكل الذريعة الذهبية له لشن عدوان كبير على لبنان. ويُدرك الحزب وفق المصادر أن العدوان الإسرائيلي على لبنان يتخطى مسألة سلاح الحزب الى أطماعه في التوسع في لبنان والمنطقة وفرض مشاريعه الأمنية والسياسية والاقتصادية.

You might also like