من المقرّر أن يصوّت أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر على مشروع القرار الفرنسي لتمديد ولاية قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمدة عام واحد، تمهيدا لانسحابها تدريجيا، في 25 أغسطس، قبل انتهاء ولاية اليونيفيل في نهاية الشهر. والى حين تلوّح الولايات المتحدة الأميركية بإنهاء مهمة قوات “اليونيفيل”، وكانت إسرائيل قد أعلنت رغبتها في إنهاء مهام هذه القوات في لبنان، معتبرة أنها غير فعّالة في مكافحة وجود حزب الله في منطقة جنوب الليطاني. وتسعى كل من الولايات المتحدة وإسرائيل إلى إدخال تعديلات على مهام “اليونيفيل”، من خلال منحها حرية الحركة دون الحاجة إلى التنسيق مع الجيش اللبناني أو الدولة اللبنانية.
ويُتداول حاليًا معلومات تفيد بموافقة أميركية على تمديد مهام “اليونيفيل” لمدة عام واحد فقط، على أن يُعتبر هذا التمديد الأخير، بما يشبه التمديد التقني، بهدف تمكين “اليونيفيل” من تفكيك مراكزها وإنهاء مهمتها في جنوب لبنان خلال مهلة سنة.
الطرح الأميركي والإسرائيلي الداعي إلى تعديل مهام “اليونيفيل” ووضعها تحت الفصل السابع لاستخدام القوة، لا يحظى، بحسب ما يؤكد العميد أكرم سريوي لموقعنا، بموافقة عدد من الدول المشاركة في هذه القوات، إذ ترى فيه خطرًا قد يضعها في مواجهة مباشرة مع السكان المحليين، خصوصًا أولئك المنتمين إلى بيئة حزب الله، كما أنه يُعد مخالفة لقرار إنشاء “اليونيفيل”، الذي حدد مهمتها الأساسية بمساعدة الجيش اللبناني على بسط سلطة الدولة، لا أن تكون بديلًا عنه.
وتنبع المعارضة الأميركية والإسرائيلية للتمديد لقوات “اليونيفيل” ، بحسب سريوي، من عدّة أسباب:
أولاً: الضغط على الحكومة اللبنانية لتنفيذ قرار نزع وتدمير سلاح حزب الله ضمن مهلة قصيرة لا تتجاوز نهاية العام الحالي.
ثانيا: وجود مخططات إسرائيلية توسعية، ترتبط بما تحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إطار “مشروع إسرائيل الكبرى”، وشعور إسرائيل بأنها نجحت في إضعاف حزب الله في لبنان، وتسعى الآن إلى استكمال تحقيق أهدافها بالقضاء نهائيًا على أي قوة مقاومة.
ثالثا: رغبة إسرائيل في إخلاء منطقة الجنوب من “اليونيفيل” لإقامة منطقة عازلة، حيث يُعيق وجود هذه القوات تنفيذ هذا المشروع، نظرا لأن من صلب مهامها الإشراف على تنفيذ إسرائيل للقرارات الدولية، وضمان انسحابها من الأراضي اللبنانية، وحماية السكان المحليين، والحفاظ على الاستقرار، ومنع استخدام منطقة انتشارها لتنفيذ أعمال عدائية.
وبينما يتمسّك لبنان ببقاء “اليونيفيل” على أراضيه، كونها تمثّل الشرعية الدولية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية، وتُقدّم مساعدات مهمة للجيش، فضلًا عن دورها الاجتماعي والاقتصادي في دعم أهالي الجنوب، تضغط فرنسا والدول الأوروبية من أجل تجديد ولاية “اليونيفيل” دون إجراء تعديلات جوهرية على مهامها، وقد أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة استعدادها لتغطية الحصة الأميركية في تمويل هذه القوات، لكنها تدرك ، بحسب سريوي، أن قرار التمديد أو عدمه يبقى بيد واشنطن. ولهذا السبب طالبت لبنان بالوفاء بالتزاماته، وإبداء مرونة حيال بعض التعديلات المقترحة، خاصة تلك المتعلقة بحرية حركة “اليونيفيل”.
حتى اللحظة، لا تزال التهديدات الأميركية بإنهاء مهمة “اليونيفيل” في إطار الإعلام، دون صدور موقف رسمي ونهائي. كما تدرك الولايات المتحدة، كما يعتبر سريوي، أن سحب هذه القوات يحتاج إلى وقت وإجراءات، منها إخطار الدول المشاركة بها. لذلك، من المتوقع أن يتم التمديد في نهاية هذا الشهر، لكن ستبقي واشنطن ورقة الضغط مرفوعة في وجه لبنان، من خلال مطالبها الواردة في ما يعرف بـ”ورقة باراك”.
في ظل الوضع الراهن، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ لبنانية، فإن بقاء “اليونيفيل”، وفق تأكيد سريوي، يُعد حاجة لبنانية، وإن كان يجب عدم المبالغة في دورها، فهي لم تمنع الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، كما أنها لم تمنع نشوب الحروب.
من جهة أخرى، تستفيد إسرائيل من وجود “اليونيفيل” على الجانب اللبناني من الحدود، خصوصا في ما يتعلق بالتنسيق غير المباشر مع الجيش لاحتواء بعض الخلافات التي تنشأ بين الحين والآخر. لكنها تسعى اليوم، بحسب سريوي، إلى سحب هذه القوات، لتكريس واقع جديد على الأرض، من خلال إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود، والسعي لتعديل مهام اليونيفيل أو استبدالها بقوات أخرى تكون أكثر طواعية بيد الولايات المتحدة وإسرائيل، وتُساهم بفعالية في حماية أمن إسرائيل.