توفي الوزير السابق للخارجية عبدالله بوحبيب بنوبة قلبية عن 84 عاماً، بعد مسيرة دبلوماسية واقتصادية وسياسية حافلة.
بدأت المسيرة الوظيفية والسياسية للراحل بعد تعيينه سفيراً للبنان في الولايات المتحدة في عهد الرئيس أمين الجميل، ما مّكنه من الإطلاع على كثير من أسرار تلك المرحلة ومعاينة أوجه التدخل الأميركي في لبنان، ما أوصله لاحقاً إلى كتابة “الضوء الأصفر”، والذي روى فيه مرتكزات السياسة الأميركية تجاه لبنان، ومن ضمنها موافقة واشنطن على الإجتياح السوري للمناطق الحرة في 13 تشرين 1990.
التزم بوحبيب جانب الحكومة العسكرية الشرعية برئاسة العماد ميشال عون، وقد أُرغم على تسليم السفارة مع مواكبة من أجهزة الأمن، وذلك بعدما رفضت محكمة أميركية دعواه لرفض التسليم، التزاماً منه بتعليمات رئيس الحكومة ميشال عون.
انتقل بوحبيب الذي كان الرئيس بشير الجميل يريد تعيينه في حاكمية المصرف المركزي، إلى العمل في البنك الدولي، وإلى التعاون مع الرئيس عصام فارس قبل توليه نيابة رئاسة الحكومة. خطىً قادته لاحقاً إلى واحدة من أبرز تجاربه الفكرية وهي تأسيس مركز تفكير Think tank “مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية”، الذي تحول إلى مساحةٍ حوارية لبنانية، تناقش كل القضايا العامة والملفات الإشكالية، سواء كانت داخلية أم إقليمية أم دولية. والثمار كانت عشرات المؤلفات والكتب التي تضمنت مقترحات عمَليّة لحل الإشكاليات العالقة، من الكهرباء إلى المخيمات الفلسطينية في لبنان والحياد وانتخاب رئيس الجمهورية وقانون الإنتخاب. وبالتوازي مع العمل في مركز عصام فارس، حافظ بو حبيب على انخراطه في الشأن العام سواء في الرابطة المارونية أو بعلاقاته المتنوعة، وصولاً إلى تنظيم المؤتمر المسيحي المشرقي في العام 2013.
بقي بوحبيب مطلعاً على الأجواء في أروقة واشنطن التي يزورها مرات عدة سنوياً، وكان ينقل هذه الأجواء لأصدقائه المقربين من إعلاميين وعاملين في الشأن العام. وكان إصراره على تقديم قراءات مبسطة لصناعة القرار الأميركي، مدعاة للإستغراب لا بل الرفض في الوسط السياسي اللبناني المعتاد على روايات المؤامرات والمخططات الكبرى. وتجربته مع السياسة الأميركية، قادته بتشجيع من أصدقائه إلى كتابه الثاني “أميركا القيم والمصلحة” الذي وقعه في العام 2019. وأصدقاؤه يقولون إنه كانت هناك محاولة ل”إنتاج” كتابٍ ثالث.
توّج تجربته السياسية بتوليه وزارة الخارجية في حكومة نجيب ميقاتي عام 2021، فعبّر فيها عن احترامه الموازين الداخلية التي تصوغ السياسة الخارجية، رافضاً الذهاب إلى سياسات تصادمية تضر ولا تفيد المصلحة اللبنانية.
وعلى الرغم من توليه مناصب عامة متعددة، بقي عبدالله بوحبيب مواظباً على طقوسه اليومية في الذهاب إلى المقاهي وحيداً أو مع رفاقه، بتواضع ميّز تعاطيه في السياسة لدى من عرفه طوال مسيرته.