تسعى الولايات المتحدة إلى إعادة رسم المشهد السياسي في سوريا من خلال الدفع باتجاه تسوية جديدة ترتكز على ما أكده الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه دعم الوحدة الوطنية في سوريا، وتبرز تحركات الموفد الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، كعنوان لهذه الرؤية الجديدة التي تسعى إلى تفكيك عوامل التفتيت.
التحرك الأميركي يقوم على فكرة مفادها أنّ إنهاء حالة الانقسام والفوضى في سوريا يمر عبر إعادة دمج المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة في إطار الدولة المركزية، من دون العودة إلى الاستبداد أو الهيمنة الأمنية السابقة. وفي هذا السياق، يطرح خيار دمج “قسد” ضمن صفوف الجيش السوري كحل جذري لواحد من أبرز الملفات الشائكة، شرط أن يتم ذلك ضمن ترتيبات تضمن تمثيلاً عادلاً وتوزيعاً للسلطة على أسس سياسية وإدارية جديدة
غير أن هذه الرؤية تواجه عقبات جدية، أبرزها الموقف الإسرائيلي المتناقض مع هذا المسار. فقد استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اندلاع العنف في محافظة السويداء ليعيد تأكيد نهجه القائم على التدخل المباشر في الجنوب السوري، تحت ذريعة حماية المكون الدرزي. فالضربات الجوية الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية، خصوصا في العاصمة دمشق، تتزامن بشكل لافت مع جهود واشنطن لإعادة بناء مؤسسات الدولة السورية وتوحيدها عسكرياً. وقد اعتبرت مصادر دبلوماسية ان هذا التصعيد العسكري بمثابة عرقلة مباشرة للاستراتيجية الأميركية، خصوصاً وأنه يقوض إمكانية التوصل إلى شراكة سورية في مشروع سلام إقليمي يشمل لاحقاً تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
في المقابل فإن السياسات الإسرائيلية تدفع نحو تقسيم سوريا طائفيا، وتعكس ، بحسب المصادر، نهجا سبق أن استخدمته تل أبيب لتعطيل مسارات التفاوض بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي. وكما ساهمت حينها في خلق بيئة أمنية متوترة دفعت الولايات المتحدة للتصعيد، تسعى اليوم إلى إفشال أي تقارب أميركي-سوري من خلال فرض أمر واقع عسكري على الأرض.
وفي هذا السياق، تظهر إسرائيل رغبتها بالتحكم بمصير سوريا بعيداً عن أي شراكة إقليمية أو تفاهم دولي، حتى وإن أدى ذلك إلى تفكيك مؤسسات الدولة، وتعطيل الجهود الدولية لإعادة الاستقرار، وتشدد مصادر دبلوماسية على ان الولايات المتحدة اليوم أمام تحد كبير في سوريا، حيث تصطدم رؤيتها لبناء دولة مستقرة بتدخلات إسرائيلية تعرقل هذا المسار وتدفع نحو الفوضى والتقسيم.