خاصّ- لبنان بعد غزّة.. حربٌ واسعة أم هدنة طويلة؟

محمّد حميّة-

ما إن أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق لوقف إطلاق في قطاع غزة، حتى أُطلِق العنان لسيلٍ من التحليلات والتوقعات بأن لبنان سيكون الهدف الأميركي الثاني بعد غزة، وما يحمله من تصعيد إسرائيلي كبير يرقَى الى مستوى حربٍ واسعة لاستكمال ضرب البنية التحتية العسكرية لحزب الله وجرّه الى اتفاق شبيه بالإتفاق الذي وقعته حماس مع إسرائيل وفق استراتيجية “سلام القوة” التي تباهى بها ترامب في قمة شرم الشيخ.
فهل تذهب إسرائيل الى حرب كبيرة على لبنان؟
تكشف مصادر دبلوماسية غربية عن قرار دولي كبير بإنهاء التنظيمات المسلحة في المنطقة وتعزيز منطق الدول لتمهيد مسرح الشرق الأوسط لمشروع الاتفاقات الإبراهيمية وخطط استثمار الثروات النفطية والغازية الهائلة التي يختزنها البحر المتوسط (لبنان، سوريا وغزة وتركيا ومصر). وترى المصادر أن بعد إقفال حرب “طوفان غزة” وإسقاط النظام السوري واستهداف إيران واليمن، فلم يبقَ إلا حزب الله العائق الوحيد أمام تنفيذ المخططات الترامبية في المنطقة.
لذلك فإن فرضية توسيع الحرب الإسرائيلية على لبنان واردة بعد إراحة إسرائيل من حرب غزة ومن الضغط الداخلي والأميركي والدولي، وفي ظل موازين القوى المُختلة لمصلحة إسرائيل والإستباحة الكاملة للشريط الحدودي بتغطية أميركية واضحة لتنفيذ مشروع المنطقة عازلة الممتدة من جنوب لبنان الى جنوب سوريا وجنوب غزة وفق العقيدة الأمنية والإستراتيجية الاسرائيلية الجديدة، أي ضرب كل مصدر تهديد محتمل حتى لو بعد عقود. وترى المصادر أن التصعيد ضد لبنان حتمي لكن من غير معلوم توقيته وحجمه وشكله ونتائجه، لذلك ترى إسرائيل ومعها أميركا أنهما أمام فرصة ذهبية لاستكمال القضاء على حزب الله قبل تعافيه وترميم قدراته والعودة لتهديد أمن إسرائيل والمنطقة.
في المقابل ينفي أكثر من مرجع لبناني معني، وجود معلومات دقيقة حول حرب إسرائيلية وشيكة على لبنان. كما لم تتبلغ الجهات الرسمية اللبنانية رسائل مباشرة أميركية أو أوروبية وعربية بنيّة إسرائيل تنفيذ عملية عسكرية واسعة في لبنان، وتشير الى أن كلّ المعلومات بهذا الصدد من قبيل التكهنات والحرب النفسية مع إبقاء احتمال لجوء إسرائيل إلى جولة تصعيد جوية مفاجئة واغتيالات وضرب أهداف حيوية مثل ضربة المصيلح.
وإن كانت إسرائيل شنّت حرب الـ66 يوماً تحت ذريعة الرد على جبهة حزب الله الإسنادية لغزة، فإن لا مشروعية وشرعية دولية لأي حرب جديدة وواسعة ضد لبنان. الى جانب أن الجيش الإسرائيلي وباعتراف قيادات إسرائيلية عسكرية كبيرة، خرج منهكاً من حرب عامين على جبهات غزة ولبنان واليمن وإيران وسوريا والعراق، وغير جاهز ومؤهل لخوض حرب شاملة مع لبنان لا سيما أن الإسرائيلي الذي يواجه اليوم العماء الاستخباراتي لا يعرف حجم قدرات حزب الله، فيما لا ضمانة أميركية بتوسع الحرب الى جبهات أخرى مثل اليمن والعراق وإيران.
تُدرِك الولايات المتحدة أن الحكومة اللبنانية نفذت موجباتها والتزاماتها ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، (انتشار الجيش وإزالة المظاهر المسلحة وتدمير الانفاق في جنوب الليطاني وفق خطة حصرية السلاح، ما يتلاقى مع تقرير قائد الجيش أمام مجلس الوزراء والذي أكد إنجاز 80 في المئة من مهامه وأن إسرائيل تُعيق إستكمال المهمة وأن حزب الله يتعاون.
حزب الله وباعتراف رئيس الجمهورية وقائد الجيش وقيادة اليونفيل وحتى “الميكانيزم” بأن حزب الله تعاون مع الدولة في مسألة تسليم السلاح جنوب الليطاني وعدم الرد على الخروقات والاعتداءات الإسرائيلية فاسحاً المجال أمام المفاوضات والخيار الدبلوماسي.
على الرغم من العدوانية الإسرائيلية والأطماع في لبنان ومشروع المنطقة العازلة في الجنوب، فقد لا تكون إسرائيل بحاجة الى حرب كبيرة تدفع كلفتها البشرية والمادية وقد تُفرِط بما تعتبره إنجازات وضربات تاريخية وجهتها الى حزب الله ومحور المقاومة خلال العامين الماضيين وقد يؤدي الضغط على الحزب الى تفجير الوضع الداخلي اللبناني وتطيح بالتركيبة السياسية الحالية الموالية للأميركيين، لذلك قد تكتفي إسرائيل بالمرحلة الراهنة بممارسة حق حرية الحركة الأمنية والعسكرية في لبنان بتغطية أميركية وتخوض حرب استنزاف من طرف واحد ضد حزب الله وبيئته عبر الاغتيالات والتدمير ومنع إعادة الإعمار وضرب البنية الاقتصادية والمصالح التجارية للجنوبيين.
حزب الله لن يستسلم ويرفع الراية البيضاء بل سيخوض المواجهة مع أي حرب إسرائيلية واسعة ضد لبنان، على أنها الحرب الأخيرة والوجودية بالنسبة له ولبيئته وربما للمحور الذي ينتمي اليه، وقد تتدحرج الحرب إلى إقليمية، ما يُسبب الإحراج للرئيس ترامب الذي قال جازماً وبغضب أمس: “الحرب انتهت.. الحرب انتهت.. هل تفهمون؟” وتطيح بمشروعه إنهاء الحروب وإحلال السلام في المنطقة.
إن السبب المباشر للحروب الثمانية التي ادعى ترامب أنه أوقفها بثمانية أشهر، هو “طوفان الأقصى” والحرب الإسرائيلية على غزة، وبالتالي وقف الحرب على غزة سينعكس إيجاباً على باقي الجبهات في المنطقة ومنها لبنان، وقد تفتح مسارات التفاوض على تسويات أو هدن طويلة الأمد، ويمكن تحويل اتفاق وقف إطلاق النار 27 تشرين الى تسوية أو هدنة طويلة الأمد شبيهة باتفاقية الهدنة أكان عبر مفاوضات باردة برعاية أميركية مباشرة أو بعد جولة قتالية تكون أكثر من معركة وأقل من حرب.

You might also like