حقّ المنتشرين اللبنانيين في التمثيل النيابي: بين النصّ الدستوري والانقلاب السياسي – ربيع مسعد

يُشكّل حقّ المنتشرين اللبنانيين في التصويت والترشّح أحد أبرز المكتسبات الدستورية التي أقرّها قانون الانتخاب رقم ٤٤/٢٠١٧، لا سيّما في المادة ١١٢ التي نصّت صراحةً على تخصيص ستة مقاعد نيابية للمنتشرين اللبنانيين موزّعة على القارات الستّ، على أن يُصار إلى انتخابهم في الخارج تمثيلاً مباشراً ضمن ما يُعرف بـ”الدائرة ١٦”.

هذا التخصيص لم يكن منّةً سياسية، بل ترجمة فعلية لمبدأ المساواة في المواطنة المنصوص عليه في الدستور اللبناني، وتطبيقاً لروح المادتين ٧ و٢١ من الدستور، اللتين تضمنان المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والواجبات، وحقّهم بالمشاركة في الحياة السياسية والانتخابية! وبذلك، أُدرج حقّ المنتشرين في القانون كجزء لا يتجزّأ من السيادة الشعبية، وليس كخيار إداري أو لوجستي يمكن إلغاؤه أو تأجيله بقرار سياسي.

إلّا أنّ ما حصل لاحقاً من انقلابٍ سياسي على هذا الحقّ، تحديداً من قِبَل حزب “القوات اللبنانية” الذي كان شريكاً أساسياً في صياغة قانون ٢٠١٧، يُعدّ خرقاً واضحاً لمبدأ احترام القوانين وتداول السلطة على أسس عادلة.

فبعد أن تباهت “القوات” بكونها شريكة في إنجاز هذا القانون، عادت وتنكّرت لبنده المتعلّق بالمقاعد الستّة المخصّصة للمنتشرين، مطالبةً بإلغائها أو دمج المنتشرين ضمن الدوائر الداخلية، وهو ما يُفرغ النصّ القانوني من مضمونه ويشكّل إجحافاً بحقّ أكثر من ١٤ مليون لبناني مغترب لهم الحقّ بالمشاركة الفعلية في صنع القرار الوطني.

وفي هذا الإطار، جاء موقف الوزير جبران باسيل في ذكرى ١٣ تشرين ليُعيد التأكيد على جوهر المعركة السيادية والدستورية المرتبطة بالمنتشرين، إذ دعا إلى الإبقاء على حقّهم الشرعي والقانوني في الترشّح والتمثيل، سواء عبر تطبيق المقاعد الستّة كما نصّ عليها القانون، أو من خلال الاستعاضة عنها مؤقّتاً بصيغة تحفظ المبدأ.

هذه المقاربة التي طرحها باسيل تعكس فهمًا عميقًا للبعد الدستوري والسيادي في مشاركة المنتشرين، وتُظهر التزام التيار الوطني الحر بنهج الدولة العادلة التي لا تُقصي أبناءها حيثما وُجدوا.

ما تقوم به بعض القوى السياسية اليوم من تشويهٍ لمبدأ المساواة في التمثيل ومحاولة تهميش المنتشرين يشكّل خرقاً فاضحاً لقاعدة دستورية راسخة، ويستوجب التصدّي له بالوسائل القانونية والدستورية! فالحقّ لا يُلغى بالتمنّي، بل يُحمى بتطبيق القانون.

وأيّ مساسٍ بالمادة ١١٢ يُعتبر تعدّياً على التشريع النافذ وعلى مبدأ احترام القوانين الذي يُشكّل حجر الأساس في دولة القانون.

لذلك، تقع على عاتق المنتشرين والتيار الوطني الحر والقوى الوطنية السيادية مسؤولية التصدّي لهذه المهاترات عبر التمسّك بالنصّ القانوني، وتفعيل الضغط الشعبي والديبلوماسي لضمان احترام حقّ الانتشار في التمثيل السياسي، سواء من خلال الدائرة ١٦ أو أيّ صيغة بديلة مؤقّتة لا تُسقط المبدأ.

معركة المنتشرين اليوم هي امتداد لمعركة ١٣ تشرين: معركة الدفاع عن الكرامة والسيادة والمشاركة، لا بالسلاح، بل بالقانون، وبالحقّ الدستوري الذي لا يسقط بالتقادم ولا بالابتزاز السياسي.

You might also like