حرب الأيام الـ 66: المقاومة منعت تكرار سيناريو 1982

الأخبار: علي حيدر-

يتعمّد البعض إثارة شبهات وإشكاليات حول الحرب الإسرائيلية على لبنان، وإن كان بعض مضامينها مشروعاً تنبغي الإجابة عنه. ويهدف هؤلاء إلى محاولة إثارة الشكوك حول خيار المقاومة وتوهين إنجازاتها. مع ذلك، ينبغي الالتفات إلى أن بعض محاولة الإجابة عن هذه الإشكاليات يعاني من النقص بفعل نقص المعطيات حول الجانب الإسرائيلي، أو عدم قراءتها بشكل صحيح.

من أهم ما يُميز بعض المقاربات – بغضّ النظر عن خلفياتها – تجاهلها لموقع حزب الله في الأولويات الإسرائيلية التي لا جدال فيها في الساحتين السياسية والأمنية في كيان العدو، باعتباره التهديد الأكبر للأمن القومي الإسرائيلي في دول الطوق.

 

ولذلك رُصدت إمكانات هائلة لمواجهته، ووضعت خطط واستعدادات على مدى سنوات طويلة منذ ما بعد حرب 2006، تمهيداً للمعركة الفاصلة معه، وهو ما تكشّف خلال الحرب المدمرة والهائلة التي شنها العدو في أيلول الفائت.

في ما يتعلق بالسياق والتوقيت، فإن العامل الرئيسي في بلورة قرار قيادة العدو كان نتيجة التحولات التي أحدثها «طوفان الأقصى» في الواقع الإسرائيلي، إذ شكل حافزاً ومناسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل للانطلاق في حرب إقليمية متدرجة.

 

لكن، في البداية، تمحور النقاش داخل قيادة العدو، حول ما إن كان ينبغي البدء من لبنان بهدف القضاء على حزب الله، أم من قطاع غزة بهدف القضاء على حركة حماس وبقية فصائل المقاومة، رغم أنه لم تكن للحزب علاقة أو علم بعملية الطوفان.

تبلور النقاش والتجاذب في الأيام الأولى التي تلت «طوفان الأقصى» بين قيادة الجيش ووزير الأمن يوآف غالانت بالدعوة إلى استغلال حالة التعبئة العامة واستدعاء الاحتياط والاحتضان الأميركي والغربي لخيار الحرب، من أجل مفاجأة حزب الله بحرب تدميرية، خصوصاً أن التوقعات كانت أن إسرائيل ستشن الحرب على حماس.

 

في المقابل عارض كل من نتنياهو وبني غانتس وغادي ايزنكوت، بدعم أميركي، هذا الخيار في ذلك التوقيت، ودفعوا نحو خيار شن حرب على حماس. تُضاف إلى ذلك مواقف المسؤولين الإسرائيليين بأنه ما بعد «طوفان الأقصى» فإن كل ما هو مطلوب من حماس مطلوب أيضاً من حزب الله… كترجمة للتحولات التي استجدت على العقيدة الأمنية الإسرائيلية في مواجهة المخاطر المحتملة، وتحديداً في مواجهة لبنان وغزة.

هكذا أصبح واضحاً – وإن بمفعول رجعي على الأقل للبعض – أن كل مقدمات شن الحرب على لبنان كانت متوافرة، وإن لم يبدُ هذا السيناريو في البدايات حتمياً. ولذلك عمدت المقاومة إلى انتهاج خيار إسناد مدروس يأخذ في الحسبان أن لا تتسبّب في دفع العدو إلى حرب كبرى على لبنان. إلا أن ذلك لم يحل دون تحقق هذا السيناريو لأن العدو كان قد أعدّ العدّة لهذا الخيار، ولم يكن ينقصه سوى تحديد التوقيت وهو أمر كان مرتبطاً بالدرجة الأولى بمآلات الحرب على غزة ومجرياتها.

استعدادات العدو للحرب بدأت منذ 2006 والسؤال كان حول التوقيت فقط

في الموازاة، لم تقترب بعض التفسيرات من فهم حقيقة سياق الحرب وخلفياتها، من قبيل أن شن حزب الله نصف حرب (معركة إسناد) أو إظهار حزب الله حرصه على الدفع نحو الحرب هو الذي جرّأ العدو على شنها. بل كانت بعيدة جداً عن الواقع. لأن من يملك مثل هذه الأوراق الأمنية والعملياتية، ورقة تفجير البايجر وأجهزة اللاسلكي، وبنك أهداف غنياً جداً حول القيادات والكوادر والقدرات، راكمه خلال سنوات طويلة، من الطبيعي أن يراهن على خيار القضاء على حزب الله بما يُمهد الطريق أمام جيش العدو للانقضاض على لبنان وجنوبه خاصة.

في السياق نفسه، ينبغي التوقف أيضاً عند حجم التطور التكنولوجي والإبداع العلمي والأمني الذي انتهجته إسرائيل في حربها على حزب الله، وهو مؤشر دالّ على طبيعة الحروب المستقبلية. وقد كانت لهذه الأساليب والتكتيكات التي اتبعتها أصداء واسعة لدى الأجهزة الأمنية في العالم.

 

إذ نجح العدو في المزج بين مجموعة من الأدوات والأساليب، أبرزها تفخيخ أجهزة اتصال مدنية، والنجاح المميز في دمج الذكاء الاصطناعي في العمليات العسكرية وتحليل البيانات الميدانية، الأمر الذي منح إسرائيل تفوقاً في الاستجابة بشكل أسرع، وتوفير بنك أهداف واسع ومتجدد، بالإضافة إلى أدوات أخرى تقليدية ومسبوقة، ولكن إضافتها إلى ما تقدم منحها تميّزاً في مجرى المعارك.

تشي السياقات والأهداف الكبرى لهذه الحرب أن أقرب محطة شبهاً بها كانت اجتياح عام 1982، إلا أن مجرياتها اختلفت بفعل التطور التكنولوجي، وأيضاً بفعل الصمود الأسطوري للمقاومة في الخط الدفاعي الأول وإحباطها اندفاع قواته وإجباره على الانكفاء ومراجعة خياراته العملياتية بعدما أنهكت جيشه على خط المواجهة وفي العمق الإسرائيلي.

 

إذ كان العدو يهدف إلى تدمير المقاومة وإنتاج سلطة سياسية معادية لها تترجم الأهداف السياسية والإستراتيجية للحرب وتشكل ضمانة استمرار لها، إضافة إلى فرض هيمنة أمنية وسياسية على لبنان، وعبر ذلك تغيير الشرق الأوسط من البوابة اللبنانية. إضافة إلى عودة المستوطنين إلى مستوطناتهم الشمالية.

من أهم الخلاصات التي يمكن أن تترتّب على ما تقدم، هو أن أي عملية تقويم لنتائج الحرب تمر بالضرورة بمقارنة الوقائع مع الأهداف التي سعى إليها العدو، مع الأخذ في الحسبان التضحيات التي قُدّمت في هذا الطريق. وفي ضوء ذلك، يمكن الخروج بتقويم موضوعي يأخذ في الحسبان معايير الانتصار والهزيمة بعيداً عن تهويل المتربصين بالمقاومة الذين يقتصرون في مقارباتهم على عنصر التضحيات بمعزل عن المخاطر التي تم دفعها، وهالهم الصمود الأسطوري للمقاومة ومحافظتها على فعاليتها العملياتية التي أحبطت رهاناتهم وآمالهم، ما أدى إلى تكريس حزب الله كقوة مقاومة تدافع عن لبنان في مواجهة عدوانه وحروبه وحالت دون احتلاله، وبقائه كطرف أساسي وفاعل في المعادلة الداخلية، وكضمانة لمستقبل لبنان في مواجهة المتغيرات الدولية والإقليمية.

You might also like