رلى ابراهيم-
يؤدّي النائب السابق وليد جنبلاط دوراً كبيراً في إخماد أحلام قائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع بالرئاسة، ويبدو أنه أخذ على عاتقه تحجيم زعامة الأخير، وترجم ذلك بمقاطعته لقاءات معراب وقوله في أيلول الماضي: «إذا أراد جعجع إثبات نفسه كزعيم للمعارضة فليفعل ذلك من دوننا». وما إن بدأ نواب «القوات» يلوّحون بترشيح جعجع لرئاسة الجمهورية، حتى أخرج جنبلاط ورقة قائد الجيش جوزيف عون وزكّاه كمرشح أمر واقع داخلي – خارجي.
مسارعة جنبلاط إلى إشهار ورقة عون قبل تبلور جو توافقي أقلّه بين المعارضة نفسها، لا تبدو بحسب البعض مجرّد تقاطع دولي أو تعبير عن كلمة سر خارجية، إنما يراها هؤلاء بأنها محاولة لإعادة الإمساك بدفة المركب، حيث باتت ورقة عون بيد زعيم المختارة: يعلن ترشحه فيرفع السقف أمام قوى المعارضة، وعندها يصبح القفز فوقه أمراً معقّداً، وبالتالي يفرض التوافق عليه والسير وراءه في تبنّي ترشيحه من الكتل الأخرى، وينهي ترشيح القائد في حال تراجعه عن هذا الدعم.
على أن النقطة الأساس كما ترى مصادر متابعة، أن الغاية الرئيسية لطرح جنبلاط قد تحقّقت، في حرق ورقة جعجع الرئاسية. حيث بات من الصعب طرحها، على الرغم من تلويح «القوات» على لسان النائب بيار بو عاصي بإمكانية مقاطعة الجلسة أو تطيير نصابها تحت عنوان «إجراء تقييم لكل العملية ومنع مرشح الممانعة من الوصول».
وينقل زوار جعجع عنه، أن «حظوظ وصوله إلى بعبدا تُعتبر الأقوى منذ زمن، ولا سيما مع خسارة حزب الله وسقوط نظام بشار الأسد وتراجع النفوذ الإيراني في المنطقة، مقابل فوز دونالد ترامب بالرئاسة ورغبة السعودية بالعودة إلى لبنان». كما ينقل الزوار أن جعجع «ينتظر تسلّم ترامب مقاليد الحكم، حتى يتشكل العامل الدافع لوصوله إلى الرئاسة، وأنه الوحيد القادر على تحقيق مشروع ترامب بشرق أوسط جديد، ما يستدعي تأجيل جلسة البرلمان لانتخاب رئيس كما نصح مستشار الرئيس الأميركي مسعد بولس حتى يقطف زعيم معراب اللحظة الذهبية».
في الأيام الثلاثة الماضية، ساد التوتر ساكني معراب، خصوصاً أن جنبلاط لم ينسّق موقفه مع حلفائه المفترضين. ثم هو أطلق موقفه بعدما أجّل زيارته إلى معراب، فضلاً عن أن جنبلاط رفض بصورة مطلقة أن يكون جزءاً من المشاورات الصورية، سواء أكان في معراب أم في بكفيا. وهو أرسل النائب مروان حمادة مرتين للقاء جعجع، دون الوصول إلى نتيجة تسمح بترتيب لقاء بينهما. لكنه أبدى حرصاً شديداً على المرور عبر عين التينة قبل إعلان تبنّيه لعون من باب إعلام حليفه الدائم رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمر، إذ يدرك جنبلاط جيداً أن مشروعيته وقوته ومسألة اعتباره لاعباً أساسياً وبيضة قبان لا تأتي من زعامته الدرزية إنما من قدرته الدائمة على التوافق مع بري والمحافظة على ثبات التحالف بينهما لبناء سدّ يصعب كسره أو تخطيه، وهو أمر لا يفرّط به أبداً.
ويقول مقرّبون من جنبلاط، إنه في عام 2005، عندما كانت الفترة هي «أيام وريث رفيق الحريري»، فإن جنبلاط كان اللاعب الأبرز في «ثورة الأرز»، علماً أنه كان من أبرز أعمدة الحكم خلال حقبة النفوذ السوري. ثم لم يتأخر في تولي مهمة عرّاب «التحالف الرباعي»، وظل يتحكم بعمل فريق 14 آذار لفترة طويلة. وقد وصل نفوذه إلى حد ربط شرعية مسيحيي 14 آذار برضاه عنهم.
اليوم، يكرر جنبلاط المحاولة، مستفيداً من هامش جديد يتمثل في التغيير الكبير الذي حصل في سوريا. والفارق كبير بينه وبين قادة الأحزاب المسيحية في التقاط الإشارة الإقليمية. حيث عجز القادة المسيحيون عن فهم أهمية التحالفات الاستراتيجية ومدى أثرها في المشهد السياسي، إذ لم تأت قوة رئيس الجمهورية السابق ميشال عون فقط من كونه رئيساً لأكبر كتلة نيابية، إنما من قدرته على التفاهم مع حزب الله بحيث شكّلا معاً قوة سياسية عابرة للطوائف وقادرة على إيصاله إلى رئاسة الجمهورية، ومن ثم تشكيل حكومة لهما فيها القوة الأساسية.
اليوم، وفيما لا تزال القوى المسيحية هائمة على وجهها، مع ضياع في لوائح المرشحين، وعجز عن التوافق حول تفصيل صغير في هذه العملية، خطف جنبلاط اللحظة ليفرض قائد الجيش، ويمسك بمفاتيح قصر بعبدا، بالتزامن مع اعتراض مسيحي ظاهره «الصلاحيات» وباطنه ينمّ عن العجز عن الاتفاق على الخطوط العريضة فكيف الحال بشياطينها. وبدلاً من أن يكون جعجع «طبّاخ» المرحلة، مستفيداً من تحولات سياسية تناسبه، لكنه كبّر الحجر كعادته، فخسر من لبّوا نداء معراب ومن تقاطعوا معه على اسم المرشح جهاد أزعور، كون هاجسه الوحيد، هو ترشيح نفسه إلى رئاسة الجمهورية، ولكن الحصاد الواضح، هو سقوطه من جديد في فخّ «الأنا»، والعودة إلى ما يبرع في ممارسته جيداً: القوقعة!