الأخبار: المشرق العربي-
في خطوة شكليّة تهدف إلى منح مزيد من التطمينات للاجئين السوريين الذين ترغب في إعادتهم إلى سوريا، افتتحت ألمانيا مبنى سفارتها في دمشق، بعد 13 عاماً على إغلاقها إياه.
ويأتي ذلك في وقت تتابع فيه روسيا بناء سياستها الجديدة حول سوريا في مرحلة ما بعد بشار الأسد، لضمان الإبقاء على القاعدتين العسكريتين (البحرية في طرطوس والجوية في حميميم)، ومنع المحاولات الغربية لاستثمار التغيّرات في سوريا لزيادة الضغوط عليها.
وزارت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، التي كانت، إلى جانب نظيرها الفرنسي جان-نويل بارو، من أوائل المسؤولين الغربيين الذين زاروا سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وصعود أحمد الشرع إلى سدة الحكم، دمشق للمرة الثانية للمشاركة في مراسم افتتاح السفارة الألمانية، وإجراء لقاءات مع مسؤولين سوريين، بينهم الشرع ووزير خارجيته، أسعد الشيباني.
وتعقب هذه الزيارة تسريباتٍ حول صفقة تعمل ألمانيا على عقدها مع حكومة الشرع بهدف إعادة نحو مليون سوري، وهي صفقة تعترضها عراقيل إضافية على خلفية المجازر التي شهدها الساحل السوري، وما تبعها من أصداء عالمية واسعة.
كما تأتي خطوة بيربوك بعد أيام قليلة من عقد مؤتمر بروكسل للمانحين حول سوريا، والذي شهد تخفيضاً بنحو الثلث للتعهدات المالية عن تلك التي شهدتها النسخة السابقة للمؤتمر، إلى جانب استمرار الاتحاد الأوروبي في سياسة الاعتماد على المنظمات الإغاثية والابتعاد عن أيّ علاقات مالية مع دمشق، التي يبدو أنها فقدت الحرارة التي كانت تتعامل معها بها أوروبا بعد المجازر، والأصداء السلبية للإعلان الدستوري المؤقّت الذي منح الشرع صلاحيات غير مسبوقة، من شأنها تركيز السلطة في يده.
وعلى رغم افتتاح مبنى السفارة، رفضت ألمانيا إعادة تشغيلها، كما أصرّت على منع عقد أي اجتماعات لمسؤوليها فيها، جراء مخاوف أمنية، على أن يتم عقد اللقاءات في «مكان سري»، في حين تتابع السفارة الألمانية في بيروت نشاطها في تغطية الاحتياجات القنصلية المتعلّقة بسوريا.
موسكو تسعى إلى منع المحاولات الغربية لاستثمار التغيّرات في سوريا لزيادة الضغوط عليها
ويفتح إصرار ألمانيا على إخفاء مكان عقد مسؤوليها اللقاء، والابتعاد عن مبنى السفارة، الباب على مصراعيه أمام تساؤلات حول مدى موثوقية الإدارة السورية الجديدة بنظر الاتحاد الأوروبي عموماً، وألمانيا خصوصاً، إضافة إلى مدى قدرة برلين على المضي قدماً في مشروع إعادة اللاجئين (طوعياً).
فإن كانت لا تأمن على موظفيها، فكيف ستستطيع إقناع السوريين الفارين من الحرب بالعودة إلى بلادهم التي شهدت بعض مدنها مجازر مروّعة خلال الأسابيع القليلة الماضية، إلى جانب حالة الفوضى الأمنية، وعدم قدرة الشرع على ضبط الفصائل المتشدّدة التي تعهّد بضبطها عبر ضمّها إلى هيكلية وزارة الدفاع الناشئة؟
وخلال مؤتمر صحافي على هامش افتتاح السفارة، أكّدت بيربوك التزام بلادها بدعم سوريا سياسياً واقتصادياً، وأوضحت أن «الشعب السوري بحاجة إلى المساعدة في إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار».
وذكرت أنها التقت مع ممثّلين عن مختلف الأطياف السورية، وأن «الجميع متفق على ضرورة أن تكون سوريا دولة موحّدة لكل السوريين»، مشدّدة على أهمية إشراك الأقليات في العملية السياسية لضمان التمثيل العادل لجميع مكوّنات المجتمع». ودعت بيربوك الشرع إلى ضبط «الجماعات الإرهابية»، قائلة إن «الإدارة السورية الجديدة أُبلغت بأنه يقع على عاتقها الآن تحويل الأقوال إلى أفعال، وكذلك تقع على عاتقها مهمة السيطرة على الجماعات المتطرفة داخل صفوفها ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم»، قبل أن تهاجم إيران التي اعتبرتها « أحد الأطراف الأساسية التي تقوم بانتهاك السيادة السورية وهي متورّطة في الأحداث الأخيرة في الساحل».
وفي وقت اعتبرت فيه الوزيرة الألمانية أن «الخطوات الأولى نحو سوريا موحّدة قد اتُّخذت بالفعل من خلال الاتفاق الذي تم بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي»، دعت الإدارة السورية الجديدة إلى الانضمام إلى التحالف المناهض لتنظيم «داعش»، وشدّدت على ضرورة محافظة «سوريا على حسن الجوار، وألا تنطلق منها أي هجمات تهدّد الدول المجاورة»، في إشارة إلى إسرائيل التي احتلت منذ سقوط نظام بشّار الأسد مساحات واسعة من الجنوب السوري، بعد أن قامت بتدمير معظم قدرات الجيش السوري، وتحاول حالياً دعم إنشاء كيان درزي في السويداء.
في غضون ذلك، أعلن السكرتير الصحافي في الكرملين، دميتري بيسكوف، أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وجّه رسالة إلى الشرع، عبّر خلالها عن «دعمه الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار السريع في سوريا بما يخدم مصالح ضمان سيادتها واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها»، مضيفاً أن روسيا أكّدت استعدادها المستمر لتطوير التعاون العملي مع القيادة السورية في كامل نطاق القضايا المدرجة على جدول الأعمال الثنائي، من أجل تعزيز العلاقات الروسية السورية الودية التقليدية.