ترامب لن يسمح بشن حرب على لبنان؟! (المدن)

لبنان ساحة اختبار للتصعيد، لكنه في الوقت نفسه، مدار اختبار للمساعي والمفاوضات. دول عديدة تبدي اهتمامها في لعب دور على الساحة اللبنانية وتحقيق إنجاز يوقف الاعتداءات الإسرائيلية ويمنع تصعيد العمليات ويوفر ظروف نجاح خطة الجيش، وصولاً إلى إرساء اتفاق طويل الأمد مع إسرائيل. لا تزال مصر تواصل مساعيها، وفي السياق برز الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي برئيس الحكومة نواف سلام، لوضعه في أجواء المساعي المصرية وفي كيفية مواصلة التعاون لوقف التصعيد الإسرائيلي. الاتصال المصري بسلام جاء بعد معلومات تحدثت عن استمرار التنسيق بين مصر وحزب الله، إضافة إلى الخط المفتوح بين السلطات المصرية ورئيس الجمهورية جوزاف عون.

يأتي ذلك في ضوء ما كشفته مصادر متابعة عن أن رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد قد التقى قبل أيام رئيس المخابرات الفرنسية وبحث معه في الملف اللبناني، وفي مواصلة العمل بين أطراف “اللجنة الخماسية” المعنية بلبنان من أجل وقف إطلاق النار، كما أن رشاد أوفد عدداً من فريق عمله إلى إسرائيل للبحث مع الإسرائيليين في كيفية توفير ظروف التهدئة والاستقرار، ورسم ملامح خطة شاملة لمنع التصعيد في لبنان. ليست مصر وحدها التي تسعى على الساحة اللبنانية؛ بل هناك دول عديدة يمكنها العمل أيضاً مع الأميركيين في سبيل منع إسرائيل من توسيع هجومها أو الانتقال إلى مرحلة الحرب. وفي هذا السياق، تشير المعلومات إلى أن المسؤولين اللبنانيين يؤكدون في لقاءاتهم أن لا حرب على لبنان، وهذا يعود إلى ما تبلغه المسؤولون من شخصيات أميركية قريبة جداً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقلاً عنه بأنه لن يسمح لإسرائيل بشن حرب جديدة على لبنان، ولأن ترامب يريد توسيع إطار اتفاق غزة ومنع العودة إلى الحروب. يأتي ذلك على الرغم من كل التسريبات الإسرائيلية التي تشدد على الاتجاه نحو التصعيد والمواجهة.

كل الدول المهتمة والمعنية بلبنان، تصل إلى خلاصة أساسية، وهي استحالة فصل لبنان عن إيران، لذلك هناك تركيز لدى دول عديدة، بينها مصر، على فتح قنوات تواصل مع طهران، للتعاون في سبيل وقف التصعيد في لبنان، وإقناع حزب الله بالوصول إلى حل ومعالجة لسلاحه، لا سيما أن القاهرة تحاول أيضاً أن تلعب دوراً تفاوضياً بين واشنطن وطهران. التفاوض بين واشنطن وطهران وإمكانية الاتفاق ينظر إليها مسؤولون لبنانيون بأنها ستنعكس إيجابياً على الوضع اللبناني، وعندها يمكن لإيران أن تؤثر إيجابياً على حزب الله.

في الموازاة، ينتظر لبنان أيضاً، زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية ولقائه ترامب، وسط معلومات تتحدث عن مساعي سعودية يحملها بن سلمان ليبحثها مع الأمريكيين حول الوضع في فلسطين ولا سيما قطاع غزة ولبنان، إضافة إلى استعداد السعودية للعب دور تفاوضي بين واشنطن وطهران على أن تكون هي إحدى الدول الضامنة لتطبيق أي اتفاق يمكن أن يحصل بين الإيرانيين والأميركيين.

في هذا السياق هناك من يعتبر أنه بإمكان السعودية أن تلعب لعبة التوازن على مستوى المنطقة انطلاقاً من نظرية التكامل الإقليمي، كي لا تكون إسرائيل هي الدولة المتفوقة على كل الدول أو القوميات الأخرى. ومن هنا تجد السعودية نفسها معنية بالدخول على خط التفاوض بين الإيرانيين والأميركيين والوصول إلى حلول سياسية بدلاً من الحلول العسكرية. خصوصاً أن الحكومة اليمينية في إسرائيل تعلن على نحوٍ واضح وصريح عن مساعيها لتغيير كل توازنات المنطقة، وهو ما يعني استمرار المواجهة ضد العرب، والإيرانيين والأتراك، وهذا لا يمكنه أن يكون في مصلحة أي من هذه القوى.

يمكن للمساعي السعودية أن تجنب المنطقة المزيد من التصعيد، خصوصاً في حال تمكنت من إقناع طهران بالعمل على الدخول في تسويات تخصّ الوضع في اليمن، ولبنان والعراق، وعدم ترك أيّة فرصة لإسرائيل كي تواصل عملياتها التصعيدية في المنطقة. فقبل أشهر زار مسؤولون إيرانيون الرياض، ومن بينهم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، الذي بحث مع السعوديين في الملف اللبناني. عملياً لا تمانع السعودية العمل على معالجة الوضع في لبنان ومساعدته، لكن على قاعدة سياسية تلتزم باتفاق الطائف وبحصر السلاح بيد الدولة وعدم الرجوع إلى معادلات سابقة تخصّ السلاح أو دور حزب الله. يمكن للبنان أن يكون مفتاحاً أساسياً لتجنب التصعيد في المنطقة، في حال نجح المسعى السعودي بإقناع إيران بالضغط على حليفها حزب الله لمواكبة التطورات والتحولات التي تمر بها المنطقة، والعودة للالتزام باتفاق الطائف والدستور اللبناني.

هذا لا ينفصل عن مبادرة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لعقد ندوة حول اتفاق الطائف، وقد عقدت الندوة في بيروت يوم الخميس، شارك فيها قائم بأعمال السفارة السعودية، يأتي ذلك بعد زيارة أجراها السفير السعودي في لبنان وليد البخاري إلى رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، وبعدها نُقل موقف عن مصدر سعودي مسؤول بأن السعودية لا تريد العداء ولا الخصومة مع الطائفة الشيعية في لبنان، وأنها تنظر إليهم كما تنظر إلى غيرهم من المكونات اللبنانية. 

في الوقت الذي تريد فيه إسرائيل اختزال لجنة مراقبة وقف إطلاق النار الميكانيزم وإخراج جهات ضامنة منها، وحصرها بلجنة ثلاثية تضمها إلى جانب الولايات المتحدة ولبنان فقط، هناك من يعتبر أنه لا بد من تفعيل عمل اللجنة الخماسية المهتمة بلبنان، وتوسيع دورها إلى الإطار المتعلق بالمساعي لوقف التصعيد الإسرائيلي. إصرار إسرائيل على التفرد بالمفاوضات مع لبنان بوجود الولايات المتحدة الأميركية سيشكل عنصر استضعاف للبنان، وسيُستفرَد به، في حين أنَّه في المقابل يمكن للدول العربية ولا سيما السعودية ومصر وقطر وهي دول مشاركة في اللجنة الخماسية، أن تشكل ضمانة للبنان في أيّة مفاوضات، كما هناك محاولات لتكون دول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب مصر جهات ضامنة لأي اتفاق أميركي إيراني، انطلاقاً من التعاون بين مختلف الدول الخليجية العاملة في مجال الوساطة والحوار، على أن يكون مجلس التعاون الخليجي جهة ضامنة لكل هذه الاتفاقات، لا سيما أن قطر، وسلطنة عمان كانتا من أبرز الدول التي عملت على تسهيل ظروف التفاوض بين واشنطن وطهران. 

 

 

 

 

You might also like