صلاح سلام
تُفتح مجدداً غداً صفحات التقرير الثاني للجيش اللبناني أمام مجلس الوزراء، في عرضٍ جديد لمراحل تنفيذ القرار القاضي بحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية وأجهزتها الشرعية. ولكن ما يبدو على الورق خطوة إصلاحية جريئة، يتبدّى على الأرض، حتى الآن، كمهمة تكاد تلامس حدود المستحيل.
فبينما يُسجّل جنوب الليطاني تقدّماً واضحاً في تثبيت سلطة الشرعية، حاز ثناءً أميركياً واعترافاً إسرائيلياً غير مسبوق بأهمية إنجازات الجيش هناك، لا يزال المشهد في بقية المناطق شمال الليطاني مثقلاً بالتحديات والتعقيدات. الأميركيون يعبّرون عن تذمّرهم من بطء العمليات العسكرية وغياب التقدّم الملموس، والإسرائيلي مستمر في التصعيد وتكثيف الغارات اليومية، فيما الحقيقة المرّة أنّ الجيش يعمل بإمكانات محدودة عديداً وعتاداً تقنياً ولوجستياً، في ظل غياب الدعم الخارجي الكافي لمساعدته في إنجاز مهمته ضمن مهلة معقولة.
فالجيش، رغم انضباطه واحترافيته، يعاني من نقص مزمن في التجهيزات والعتاد والتمويل. وهو يجد نفسه اليوم مطالباً بفرض سلطة الدولة في مناطق تعجّ بالسلاح غير الشرعي، وتخضع لسيطرة «حزب االله» الذي يرفض تسليم سلاحه بحجة المقاومة والدفاع عن لبنان. بذلك، تتحوّل مهمة الجيش إلى ما يشبه “المستحيل”، إذ يُطلب منه أن يفرض واقعاً أمنياً جديداً، دون أن يمتلك الأدوات الكافية أو الغطاء السياسي الكامل.
وقد عبّر السفير الأميركي توم براك عن هذا المأزق بوقاحة حين وصف الدولة اللبنانية بأنها “دولة فاشلة”، عاجزة عن فرض قراراتها السيادية وتنفيذ التزاماتها الدولية، ما لم يُصَرْ إلى دعم جيشها بشكل فعلي، وتمكينه من أداء دوره كاملاً في كل الأراضي اللبنانية.
إنّ استعادة هيبة الدولة لا يمكن أن تتحقق بالقرارات وحدها، بل بتوافر الإرادة السياسية الوطنية، وبمساندة جدّية للجيش الذي يشكّل الركيزة الأساسية لوحدة البلاد واستقرارها. فبدون تسليحه وتجهيزه ومنحه الغطاء السياسي، ستبقى حصرية السلاح شعاراً معلقاً في الهواء، فيما تظل الدولة في نظر الخارج “فاشلة”، وفي نظر الداخل عاجزة عن بسط سلطتها.
وكما أصبح معروفاً فإن هذا الواقع المرير يحمِّل حزب االله مسؤولية مضاعفة في عدم تمكين الدولة من بسط سيادتها على كامل الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يستغله العدو الإسرائيلي للإستمرار في التصعيد العدواني وتوسيع رقعة الغارات اليومية في منطقتي الجنوب والبقاع.
الحزب أمام خيارات مصيرية بالنسبة له، كما بالنسبة للبلد كله: إما الذهاب إلى المفاوضات لوقف الإعتداءات الإسرائيلية، وإما المبادرة إلى خطوات للتخلي عن السلاح، أو وضعه بتصرف الجيش اللبناني، لنزع ذرائع الغارات العدوانية اليومية على البشر والحجر.


