بيروت: الأحزاب خسرت المزاج السنّي!

الينا فخر الدين –

كلّ الاستنفار الذي فعّلته الأحزاب السياسيّة من أجل حفظ عُرف المناصفة في بلديّة بيروت، سُرعان ما «خدشته» الديمقراطيّة بـ«شحطة قلم» من دون أن يكون بمقدور الأحزاب المسيحيّة رفع الصوت لإعادة فتح ملف تقسيم العاصمة، خصوصاً أن ما حصل ليس سابقة وإنّما استعادة لانتخابات عام 1998 حينما تمكّن عبد الحميد فاخوري من خرق اللائحة المدعومة من الرئيس رفيق الحريري، وتالياً كسر المناصفة.

ولكن ليست الديمقراطية وحدها من أسهم بخسارة نائب رئيس مجلس البلديّة السابق ومرشّح متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، إيلي أندريا (أرثوذكس)، وإنّما هي الكيديّة السياسيّة، وتحديداً لدى حزب «القوات اللبنانيّة».

وعند مراجعة مفاوضات تشكيل لائحة «بيروت بتجمعنا»، يتذكّر المفاوضون رفض مسؤولي «معراب» تخصيص حصّة لعودة، تماماً كما رفضوا أن تؤول نيابة الرئاسة إلى أندريا. وفي المرحلة الثانية، وافق «القواتيون» مرغمين على انضمام أندريا إلى اللائحة مشترطين تأجيل النقاش حول توزيع المناصب إلى ما بعد صدور نتائج الانتخابات، لإصرارهم على أن يكون نائب الرئيس من حصتهم، وتحديداً الأرثوذكسي راغب حدّاد.

عملياً، بدت موافقة «القوات» على أندريا على أنّها مُناورة، وسط ترجيحاتٍ بأن «القوات» قادت الأحد عمليّة تشطيبه بالتنسيق والتكاتف مع بعض الأحزاب المسيحيّة، من دون أن يخفي المتابعون لأمور الانتخابات أنّ حملة تشطيب أُخرى في حق أندريا قادتها بعض القوى السنّية، نتيجة ما كان يُسرّب من داخل المجلس البلدي عن أدائه في حق رئيسَي المجلس البلدي المتعاقبيْن والأعضاء المسلمين!

ومع ذلك، لم يكن التقاطع السنّي – المسيحي رفضاً لتجديد ولاية أندريا مرّة جديدة، كافياً لـ«تطييره»، بل إنّ ائتلاف الأحزاب لم يتمكّن فعلياً من استمالة الصوت السنّي وكبح جماح المُعارضة فيه، إذ صبّ نحو ثلثيه في صالح لائحة «بيروت بتحبّك» برئاسة القيادي في تيار «المستقبل» محمود الجمل، وهو ما يؤكّد أنّ المزاج البيروتي السنّي كان فعلياً ميالاً إليها.

كما أظهرت عمليات التصويت من خارج البلوكات الحزبيّة وداخلها، أنّ للعميد الجمل حيثيّة شعبيّة لا يُمكن صدّها بسهولة، بعدما فاز بأكثر من 39 ألف صوت ليحلّ في المركز 22 في مواجهة الأحزاب مجتمعةً.

«الوكيل الشرعي»
لائحة «بيروت بتحبّك» التي دُعمت من قبل النائب نبيل بدر والجماعة الإسلامية، وقواعد «المستقبل»، يبدو أنّها عكست المزاج السنّي الحقيقي شعبياً، بعدما حصد أعضاؤها ما متوسطه 30 ألف صوت، كان مصدر غالبيتها من الأقلام السنّية (صوّت نحو 63 ألف سنّي).

وعبّر هؤلاء عن رفضهم لاستبعاد بدر و«الجماعة» من اللائحة الائتلافيّة بحجّة «ضعف تمثيل بدر» و«الفيتو» المرفوع على «الجماعة» من قبل بعض الدّول العربية، وعلى رأسها السعوديّة. كما عبّروا عن رفضهم لما أسموه «التحالفات الهجينة»، التي استشعروا فيها بأنّها تتضمّن «فرض زعامة بيروتيّة لا تمثّلهم، هي زعامة النائب فؤاد مخزومي».

وما يؤكّد هذا الأمر هو عدم قدرة رئيس «حزب الحوار الوطني» تجيير قوّة ناخبة وازنة، إذ حلّ مرشّحه للرئاسة، إبراهيم زيدان، في المرتبة السابعة بحصوله على نحو 45 ألف صوت، فيما كانت الغلبة في التصويت السنّي للائحة «بيروت بتجمعنا» لصالح مرشّح «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية»، المحامي محمّد بالوظة الذي «اكتسح» النتائج بحصوله على أكثر من 47 ألف صوت من خارج البلوكات الحزبيّة، خصوصاً أنّ بالوظة يُعد من الفاعليات البيروتيّة التي تمتلك شبكة علاقات مع جميع القوى البيروتيّة، إضافةً إلى حُسن سيرته.

في الخُلاصة، أجاد الجمل وحلفاؤه لعب دور «الوكيل الشرعي» لـ«الحريريّة السياسيّة» على أرضه، في ظلّ ما يتردّد عن استقطاب رموز «المستقبل» ومفاتيحه الانتخابيّة التي لعبت دوراً في «صبّ» الأصوات في صالح الجمل ولائحته. وبينما يؤكّد «المستقبليون» عدم وجود إيعاز من القيادة في هذا الشأن، حاول خصوم «التيّار» التحريض على الأمين العام، أحمد الحريري بعدما سُرّب له مقطع فيديو وهو يتابع مسار نتائج الانتخابات وفوز الجمل.

ولم يُعرف ما إذا كان الجمل في صدد تقديم استقالته من المجلس، بعدما كان يُردّد قبل أيّام أنّه في حال وصوله منفرداً فسيخرج فوراً، علماً أنّ ضغوطاً تمارس على العميد المتقاعد بقصد إبقائه من منطلق أنّ وصوله أراح الشارع السنّي الذي اعتبر نفسه «منتصراً»، وهو ما ظهر على مواقع التواصل والاستقبال الشعبي الذي أقيم للجمل في طريق الجديدة.

تشطيب مرشّح «الحزب»
في المقابل، كان لافتاً رقم 42 ألف صوت الذي ناله المرشّح الشيعي عماد فقيه، والذي يُعد الأكثر قرباً من حزب الله، وهو حلّ في المرتبة 12 بين الفائزين، ما أثار علامات استفهام، خصوصاً أنّ «البلوك الشيعي» المُتمثّل بنحو 19 ألف صوت، كان له الفضل في إنقاذ لائحة «بيروت بتجمعنا» وضمان المُناصفة.

وتشي نتيجة فقيه أن عمليّات تشطيب ممنهجة جرت ضدّه باعتباره مرشّح حزب الله وليس لكونه مرشحاً شيعياً، إذ إنّ مرشّح حركة أمل، فادي شحرور ومرشح «الجمعيّة الخيريّة الإسلاميّة العامليّة» يوسف بيضون لم يتم تشطيبهما، إذ حلّ الأوّل في المرتبة الرابعة والثاني في المرتبة الثانية بحصوله على نحو 46 ألف صوت سنّي.

You might also like