بر الياس: معركة بلدية مفصلية على وقع التحالفات العائلية!

لوسي بارسخيان- 

مع أن زحلة تستقطب كل الاهتمام في الانتخابات البلدية المحددة في البقاع في 18 أيار المقبل، فإن بر الياس ثاني أكبر مدن قضائها، تختبر مرحلة مفصلية أيضاً. فإما أن توصل مجلساً ينقذ البلدة من مستنقع الفوضى والإهمال الذي غرقت فيه نتيجة خيارات سيئة أبقتها من دون مجلس بلدي منذ عام 2022، أو أن توصل طاقماً قادراً على الإمساك بملفات مؤسساتها الحيوية، من تجارية وصحية وتنموية، فتؤدي بحسن إدارتها خدمة عامة تتخطى أهالي بر الياس، خصوصاً أن للبلدة امتداداً جغرافياً على طريق بيروت الشام الدولي، بينما النموذج الذي يعكسها عند مدخل لبنان الشرقي من جهة “المصنع” لا يسر القلب ولا يرضي عابراً.

نحو 60 ألف نسمة هو عدد أهالي بر الياس. إلا أن عدد المقيمين فيها أكبر بكثير، وقد تضخّم خصوصاً بفضل النزوح السوري، الذي يكاد يوازي عدده عدد المسجلين في قيودها، يضاف إليهم أعداد الفلسطينيين المقيمين فيها منذ النكبة الفلسطينية.

أما الناخبون فعددهم في البلدة نحو 13 ألف و700 ناخب، وبـ “تقريش” أبنائها للرقم، فهي وحدها دون سائر قرى البقاع “السنية” قادرة على إيصال نائب ونصف. علماً أنه على رغم غالبيتها السنية، تحرص لوائحها الانتخابية على حجز مقعد أو اثنين من 18 للأقلية المسيحية، وغالبية هؤلاء غير مقيمة في بر الياس، وبالتالي لا ضمانة لوصولهم إلى المجلس.

العائلات تتنازل… والشباب يتقدّم … والمستقبل لم يظهر بعد

مع أن هوى أهالي بر الياس السياسي يميل بغالبيته لتيار المستقبل، فإن العائلية التي تحكم انتخابات بلديتها تبدو سيفاً ذا حدين. فمن ناحية يظهر حماس العائلات كصورة مشرقة عن التنافس على خدمة المدينة، لكنه في المقابل يحد من توظيف كفاءات العائلات الصغرى في العمل البلدي، مع أن بر الياس غنية بها، خصوصا أن معظم أبنائها يميلون لنيل الشهادات العليا، بينما واقع البلدة المتردي منذ أعوام طويلة يمعن في تكبير الهوة معها.

تقليدياً، تتنافس عائلات عراجي، ميتا، والميس على رئاسة المجلس البلدي. غير أن التطورات الحالية أظهرت أن أياً منها لم تعد قادرة على حسم المعركة وحدها، ما فرض منطق التحالفات بين العائلات الكبرى والصغرى لتأمين الحاصل الانتخابي. هذا ما خلق دينامية مختلفة في الحملات الانتخابية الحالية، تمثلت في تنافس على طرح أسماء مرشحين من كافة العائلات، مشهود لهم بكفاءاتهم، سعت اللوائح الثلاث الأساسية لضمهم إليها، بحثاً عن أكبر التفاف وتفاعل خصوصاً من جيل الشباب.

أول تجليات تخلّي العائلات التقليدية عن “أنانيتها” كان في التوافق الذي نشأ على ثلاث لوائح أساسية لتقاسم ولاية رئيس المجلس ونائبه بحال الفوز، بصرف النظر عما إذا كان هذا الإجراء يضمن تجنيب المجلس المنتخب خضات غير محسوبة في المرحلة المقبلة، خصوصاً أن عدم اتخاذ تيار المستقبل قراراً بدعم أي من اللوائح المشكلة حتى الآن، يفتح شهية الناخبين على تشكيل لوائحهم الخاصة.

توازنات دقيقة وتحالفات متشابكة: المشهد البلدي يتكوّن

بغياب القرار السياسي، يتفوق التنافس العائلي المعزز بخطاب إنمائي في بر الياس حتى الآن. في هذا الإطار يستفيد الرئيس السابق للبلدية رضا الميس الذي شكل لائحته بالتحالف مع الجماعة الإسلامية، من تراكمات ولايتي المجلس البلدي سابقاً اللتين ترأسهما على التوالي كل من سعد ميتا ومواس عراجي أي مرشحي العائلتين المنافستين لعائلته، وما رافق الولاية الأخيرة تحديداً من إقفال لمستوصف البلدة وتعطيل للمطمر الصحي الحديث النشأة قبل أن ينفرط عقد المجلس إثر خلافات حادة بين أعضائه.

 

في المقابل، يُظهّر الميس في حملاته الانتخابية رصيده من مشاريع تحققت خلال فترة ولايته للمجلس البلدي التي امتدت من عام 1998 إلى عام 2004. إلا أن نقطة القوة التي ينطلق منها، توازيها نقطة ضعف أساسية تتمثل بتحالفاته مع الجماعة الإسلامية، وإن كانت الجماعة جزءاً من المكون “البر الياسي” ومن عائلاتها. وهي نقطة لا يمكن للائحته تجنب تداعياتها إذا قرر تيار المستقبل أن يخترق المشهد الانتخابي لاحقاً.

تحالف الميس أيضا مع عشيرة اللويس المجنسة وفقاً لبيان صدر عنها وحدد مرشحيها في اللائحة. إلا أن صوت العشيرة وفقاً لما يؤكده مصدر معني في البلدة لن يكون موحداً في الانتخابات، بصرف النظر عن التحالفات العلنية المحاكة. علماً أن عدد أصوات العشيرة في ما لو اتّحدت يوازي حجم ثاني أكبر عائلاتها التي تعد نحو 700 صوت تقريباً.

 

في المقابل أعلنت لائحة “بر الياس بالقلب” التحالف النهائي بين عائلتي سلوم وعراجي، والأخيرة هي العائلة الأكبر في البلدة. والمتفق عليه في حال فوزها، هو تقاسم ولاية رئاسة المجلس بين عصام عراجي وفايز سلوم، على أن تضم لائحتهما تحالف عائلات أخرى أبرزها عائلة عسكر التي أجمعت على مرشح واحد لها سمي نائباً للرئيس.

كذلك انتهت لائحة “مستقبل بر الياس” إلى إرساء الاتفاق بين آل “ميتا”، ثاني أكبر العائلات وعائلة “دلي” بالتحالف مع عائلات أخرى. والتحالف يشمل تقاسم ولاية رئاسة المجلس بين رئيس البلدية الأسبق سعد ميتا ومحمد دلي.

 

بين نفَس الشباب ووهج المال

تقاسم ولاية رئاسة المجلس تنطبق أيضا على نيابتها وقد سادت كحلّ وسط بين العائلات المتحالفة. إلا أنها تهدد استقرار العمل البلدي إذا لم تُحترم الاتفاقات غير المكتوبة. علماً أن مصدراً معنياً في البلدة شرح أن هدف هذه الشراكة “هو إرضاء العائلات لاستقطاب أوسع شريحة من التصويت للوائح مكتملة منعا لوصول مجلس بلدي غير منسجم”. هذا في وقت أكد المصدر أن غياب تيار المستقبل حتى الآن عن تشكيل اللوائح، لا يعني استبعاد تدخله لاحقاً لتشكيل رافعة للائحة من تلك المكتملة، خصوصاً أن أكثر من سبعين في المئة من أبناء البلدة موالون له.

 

غير أن غياب الرافعة السياسية لأي من اللوائح حتى الآن، يظهر التنافس بين تيارين في البلدة، تأثير كل منهما موجود بقوة في كل اللوائح. عصب التيار الأول هو الإنفاق المالي الانتخابي الذي تفوح رائحته من مختلف اللوائح الأساسية، في مقابل عصب الشباب الواعي الذي يحاول أن يخرج من الذهنية التقليدية في إدارة الانتخابات، ويرتقي بالتنافس إلى مستوى البرامج المطروحة بدلاً من أحجام العائلات وقوتها. برأي هؤلاء أن بر الياس في حالة فوضى مربكة، لكنها أيضاً أمام فرصة حقيقية لتغيير وجه العمل البلدي، شرط أن يحسن الناخبون الإمساك بها، ليسهموا في تحويل أزمات بلدتهم فرصاً، خصوصا في ما يتعلق بملف النزوح السوري. ففي البلدة حالياً نحو الفي مؤسسة، أكثر من 1500 منها يشغلها سوريون، هؤلاء أمنوا حركة تجارية نشطة في البلدة، لكن من دون أن تفيد في تحسين واقع البلدة الإنمائي، بل زادت مداخيل أصحاب الأملاك، لتتراكم الأعباء على البلدية. فهل تنتج بر الياس بانتخاباتها مشهداً مماثلا لما سبق، أم تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من العمل البلدي المدروس، تتغلب فيه البرامج على العائلات، والكفاءة على المال.

You might also like