حبيب البستاني-
انشغلت الأوساط السياسية والدبلوماسية بالتصريحات الملتبسة التي أطلقها المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان السفير طوم بارَاك، لا سيما تصريحه الأخير من واشطن الذي أعلن فيه صراحة وبالفم الملآن بالإنجليزية والترجمة العربية على حد سواء، من أن خطر تحول طرابلس إلى طرابلس-الشام بات وشيكاً وبالتالي فإن هنالك خطراً حقيقياً على لبنان ووحدته ووحدة أراضيه. فبعد مواقفه الدبلوماسية الهادئة وعباراته المرنة إبان زيارته الأخيرة إلى بيروت وترداده علناً من العاصمة اللبنانية من أنه كان مرتاحاً لمواقف الحكم والحكومة في آن معاً، وأنه لمس تجاوباً وتفهماً من الرؤساء الثلاثة للمطالب الأميركية، وأنه سيحمل الجواب على مواقف الحكومة الأخيرة خلال زيارته المرتقبة إلى بيروت نهاية الشهر الحالي، فما عدا ما بدا؟ لتتحول الإيجابية الأميركية في بيروت إلى التهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور من واشنطن، إذا لم تقم الحكومة اللبنانية بما يتوجب عليها سيما بالنسبة لموضوع نزع سلاح حزب الله، وكيف تحولت المهلة المفتوحة المعطاة للحكومة اللبنانية لكي تقوم بمهامها بالنسبة للحصرية ووضع حل للسلاح، إلى أوامر وتهديدات اتخذت طابع العجلة نسبة للأخطار الداهمة التي قد تهدد لبنان نتيجة للتباطؤ.
طرابلس وطرابلس-الشام
كان لافتاً إلى استعمال المبعوث الأميركي عبارة طرابلس – الشام، مما يدل أن معلومات سعادة السفير حول الموضوع هي معلومات قديمة وقديمة جداً لا تستند إلى الواقع وليس لها أي معنى في القاموس السياسي، إذ إن إطلاق صفة الشام على طرابلس في البداية جاء من باب تمييزها عن طرابلس الغرب في ليبيا. أما في الحقبة الحديثة من تاريخ لبنان وإبان ثورة 1958 التي شهدت أحداثاً طائفية أليمة وكان الهدف منها الإطاحة بالرئيس كميل شمعون، وكانت المقاومة الشعبية وما يُعرف بالثوار تتلقى الدعم العسكري واللوجستي من سوريا التي كانت تحت سلطة الجمهورية العربية المتحدة بقيادة جمال عبد الناصر، وكان من بين زعماء الثورة آنذاك كمال جنبلاط الذي حاول إسقاط بيروت ولكن الجيش اللبناني بقيادة فؤاد شهاب أوقفه على تخوم العاصمة في بلدة بشامون، وكذلك حاول الثوار إسقاط طرابلس بقيادة رشيد كرامي وتم إطلاق مسمى طرابلس-الشام للمرة الأولى نسبة لانتمائها إلى بلاد الشام، ولكن قائد سلاح الدبابات في الجيش اللبناني في حينه الضابط المحمدي في جيش شهاب عبد المطلب الحاج استطاع وقف هجوم الثوار والمقاومة الشعبية. نورد كل ذلك للتاريخ ولكي يعلم من يريد أن يعلم أنه لا وجود لما يسمى ب طرابلس-الشام لكي يصار إلى إحيائه.
إلى ما لمح بارَاك؟
من الواضح أن كلام المبعوث الأميركي لم يات من العدم، وبالرغم من المغالطات التاريخية التي تضمنها، وبالرغم من نفي الأوساط الدبلوماسية الأميركية لكلامه فإن ما قيل قد قيل، وهنالك أكثر من كلام دبلوماسي عن إعادة إحياء اتفاق ال س-س وذلك برعاية أميركية وذلك لتكليف سوريا الشرع بوضع اليد على لبنان بعد أن تم ذلك في تسعينيات القرن الماضي، حيث تم تكليف سوريا الأسد بضبط الأوضاع المتفجرة في لبنان، وعندها أصبح النظام السوري بمباركة سعودية وموافقة أميركية ضابط الإيقاع لحسن تطبيق اتفاق الطائف. فهل ينجح هذا المخطط الجهنمي الذي يجري تسويقه في كواليس غرف المخابرات السوداء؟ وذلك لحل المعضلة الإسرائيلية على حساب لبنان.
جبنا الأقرب ليشجعنا…
تفاءل اللبنانيون كثيراً بتعيين السفير طوم بارَاك اللبناني الأصل خلفاً للسفيرة مورغان أورتاغوس ذات الأصول اليهودية، إلا أنه سرعان ما تبين أن بارَاك لن يتساهل في الحلول بالنسبة للملف اللبناني، وبالتالي اصبح الناس متشائلين أي أنهم لا متفائلين ولا متشائمين، وأنهم بانتظار العروض على القطعة. وهنا ينصح البعض المبعوث الأميركي بعدم الانجرار وراء مفاهيم ضم طرابلس إلى الشام، إذ إن أهل السنة سيكونون أول من يرفض ذلك فلو أراد أهل السنة السكن في سوريا لاستطاعوا إلا أنهم لن يرضو عن لبنان بديلاً، وبالتالي من قال أن السعودية ستوافق على وضع يد سوريا الشرع على لبنان. وهكذا وكما قال الرئيس السابق العماد ميشال عون لبنان هو أصغر من ان يُقسم وأكبر من أن يُبتلع، وانه بات على بارَاك تصويب أهدافه فلا يبقى ضربة عالحافر وضربة عالمسمار.
كاتب سياسي*