انفخت الدف وتفرق العشاق!

حبيب البستاني-

هكذا وبدون سابق إنذار بدأ نشر الغسيل الوسخ بين “التغييريين” وبدأت الشتائم “من فج وغميق” بين النواب الذين جاؤوا على صهوة جواد الثورة والمدعومين من قبل الجهات الخارجية النافذة تمويلاً وسياسياً، ومن كل الأبواق الإعلامية المدفوعة الأجر سلفاً التي راحت تهلل لبرامجهم ومخططاتهم حتى أن الحيلة انطلت على بعض اللبنانيين، فهؤلاء سيعملون العجائب إذا تسنى لهم الوصول إلى درج الندوة النيابية، فمن كلنا “إرادة إلى كل المجموعات التغييرية بدون استثناء، حتى أن بعضهم لم يتوان عن اختيار القاعة العامة في المجلس النيابي مكاناً لنومهم فأصبح اللبناني ينام على أحلامهم ويصحو على زقزقاتهم، وكل شيء يهون في سبيل التغيير. هؤلاء وضعوا لأنفسهم خارطة طريق لتحقيق مبتاغهم السياسي، وحددوا لهم هدفاً واضحاُ ألا وهو التصويب على فخامة الرئيس ميشال عون الذي أغاظ المراجع الدولية والإقليمية بإصراره على المطالبة بعودة النازحين واللاجئين، هكذا وجد المجتمع الدولي بمجموعة التغييريين هذه حبل الخلاص المنشود الذين تنطبق عليه كل المواصفات، فهم من فئة عمرية محددة لا يملكون أية تجربة في الشان العام ولديهم سيرة ذاتية تملأ عدداً كبيراً من الصفحات ويملكون من المؤهلات العلمية ما يؤهلهم ليكونوا خير متحدث للدفاع عن الأفكار الجديدة، وهم يملكون من الجرأة لرفض كل شيء من دون اللجؤ إلى الحلول البديلة، فهم مع البيئة ولكنهم ضد كل البروتوكولات الآيلة للتخلص من النفايات الصلبة ومعالجتها، فهم ضد المطامر لأنها ملوثة وضد معامل التفكك الحراري لأنها وبحسب مزاعمهم تلوث الهواء، حتى أن بعض الجهابذة منهم ذهب إلى حد طرح فكرة ترحيل النفايات، وكذلك فهؤلاء التغييريين وقفوا سداً منيعاً ضد إنشاء السدود، فحاربوا وبكل وقاحة مشروع سد المسيلحة ومشروع سد بسري مفضلين أن تبقى أرض بسري ملاذاً للحيوانات. أما الطامة الكبرى فهي في وقوفهم ضد مشاريع الكهرباء وتمويل إنشاء معامل الإنتاج وتأمين الفيول والصيانة للمعامل الموجودة ومعارضتهم لإنشاء محطات تغويز، وهي السبيل الوحيد لتزويد معامل الطاقة بالغاز الذي من شانه تقليص الفاتورة الكهربائية. هذا غيض من فيض من “إنجازات التغييريين” الذين ما لبث أن وصل قسم منهم إلى جنة الحكم “كلنا إرادة” حتى فرقعت بين الشباب وبدأت الحملات في ما بينهم وكانت الشاشات إياها التي دعمتهم المكان المفضل لتراشقهم.
أورتاغوس والكلام المعسول
لقد تبين ومن خلال زيارة المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس أن اللغة الإنكليزية كما اللغة العربية غنية بالمفردات الجمالية التي تتصل بالدبلوماسية، إذا إن المسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم المبعوثة الأميركية أعربوا عن ارتياحهم، فمنهم من وصف اللقاء بالبناء وآخرين بالإيجابي إلى ما هنالك من نعوت جميلة من لغة سيبويه، ولكن وبعيداً عما جرى الحديث عنه في اللقاءات، فالمجالس بالأمانات، فإن العبرة هي بنتائج الزيارة فليس المطلوب هو أن نحزر ماذا يوجد في جعبة الناس بل يكفي النظر إلى سلة مهملاتهم. فبعد زيارة أورتاغوس وكما قبلها استمرت التعديات الإسرائيلية والخروقات الواضحة للقرار 1701 واستمر الطيران الحربي ومسيراته بالإغارة على كل ما يتحرك في قرى وبلدات الجنوب، حتى إن العدو لم يتوان عن قصف البيوت الجاهزة التي يحاول بعض الأهالي إقامتها بانتظار إعمار بيوتهم المهدمة كلياً، وهذا إن دل على شيء فهو رفض الدولة العبرية لإقامة أي نوع من أنواع السكن “البديل” في إشارة واضحة لرفضها مبدأ العودة، فالإعمار ممنوع مما يعني أن العودة ممنوعة.
التطبيع خط أحمر فماذا عن سلاح الحزب
من الواضح أن هنالك إجماع لبناني على رفض التطبيع الذي قد يشكل في الوقت الراهن فتيلاً للتفجير بين مختلف المكونات اللبنانية، ولكن هل ذلك يعني توقف المفاوضات اللبنانية الأميركية ومن ضمنها المفاوضات اللبنانية الإسرائيلية، فاميركا هي من تتولى المفاوضة عن إسرائيل وهي التي تتولى ترجمة شروطها من ضرورة إنشاء اللجان الثلاثية سبيلاً وحيداً للانسحاب من المناطق المحتلة. لقد أبدت المندوبة الأميركية دعمها للخطوات البطيئة للحركة الإصلاحية للحكومة اللبنانية، فالحكومة تأخذ وقتها في تطبيق الإصلاحات وهي لم تتفق بعد على خارطة طريق واضحة. ولكن الحكومة تهمل موضوعاً اساسياً وهو مذكور في خطاب القسم وهو البحث في الاستراتيجية الدفاعية مما يعني ضمناً البحث في موضوع سلاح الحزب وسلاح كل الميليشيات لا سيما الفلسطينية. فبدلاً من أن تنتظر الدولة عودة أورتاغوس المقبلة فالمطلوب هو البدء بالحوار بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني، وإذا كان رئيس الحكومة قد استثنى فريقاً اساسياً عند تشكيل الحكومة فالمطلوب اليوم قبل الغد تولي الرئاسة الأولى الدعوة إلى طاولة حوار أو مؤتمر وطني الهدف منه دراسة الاستراتيجية الدفاعية والعمل على استيعاب السلاح داخل مؤسسات الدولة الشرعية، عندها وعندها فقط لن ننتظر أورتاغوس وغيرها لكي نتبلغ تعليماتها وملاحظاتها إنما لنبلغها نحن كلبنانيين مقرراتنا.
كاتب سياسي*

You might also like