الأخبار: انسحبت الفصائل العشائرية من ريف السويداء مع استمرار الحصار، في خطوة تُعدّ بداية تنفيذ تفاهمات باريس السورية ـ الإسرائيلية وسط إنكار رسمي.
تسود مدينة السويداء حالة من الهدوء الحذر، بعد نحو أسبوع من توقّف الاشتباكات التي اندلعت بين فصائل محلّية من أبناء المحافظة، وفصائل عشائرية مدعومة من قوات وزارتَي الدفاع والداخلية السوريتين، والتي أسفرت عن مئات القتلى والجرحى من الطرفين. ويترافق ذلك مع محاولات شعبية لاستعادة مظاهر الحياة الطبيعية، في ظلّ اتهامات متصاعدة للحكومة بفرض حصار متعمّد على المحافظة، بهدف إخضاعها، بعد فشل الحلّ العسكري في تحقيق ذلك.
وفي ما يعتقد أنه تطبيق لمخرجات اجتماع باريس الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، بخصوص الأوضاع في السويداء خاصة وفي محافظات الجنوب السوري بشكل عام، انسحبت فصائل عشائرية من قرية أم الزيتون والقرى المحيطة بها على طريق دمشق – السويداء، وسط إنهاء حالة التحشيد العشائري في ريف السويداء الغربي.
ورغم نفي مصادر حكومية، في تصريحات إعلامية، وجود اتفاق سوري – إسرائيلي ذي بنود واضحة ومحدّدة، والاكتفاء بالإشارة إلى أنّ الاجتماع ركّز على «التهدئة في الجنوب»، إلا أنّ استمرار الاجتماع لما يزيد على أربع ساعات، عُدّ مؤشراً على التوصل إلى تفاهمات أوسع، أُبقيت طيّ الكتمان، ولم يُعلن عنها رسمياً حتى اللحظة.
وكان نشر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» سلسلة من البنود التي قال إنها نتاج الاجتماع السوري ــ الإسرائيلي، وتضمّنت إخلاء محافظة السويداء من أي وجود للقوات الحكومية، واعتبار ملف الانتهاكات من مسؤولية الأميركيين بشكل مباشر، والسماح بدخول المنظمات الحكومية لتقديم المساعدات الإغاثية والإنسانية، مع إخراج الفصائل العشائرية، بالإضافة إلى نزع السلاح من القنيطرة ودرعا، وتشكيل لجنة محلّية للتواصل مع إسرائيل وحماية طائفة الموحدين الدروز، ولجنة أخرى لتوثيق الانتهاكات ورفع نتائجها إلى الجانب الأميركي.
وأظهرت التحركات الميدانية، التي بدأت فعلاً في الساعات التالية للاجتماع، انسحاباً واسعاً للقوات الحكومية والعشائرية، ودخول قوات من الفصائل المحلّية في المحافظة إلى قرى في الريف الغربي. وعُدّ ذلك مؤشراً عملياً على بدء تنفيذ ما أوردته التسريبات، خصوصاً في ظلّ رفض القائمين على السويداء التعامل مع الجانب الحكومي، وحصر عمليات التنسيق بـ«الهلال الأحمر» السوري.
أعلن عدد من المنظمات الشعبية والنقابات المهنية مقاطعته الكاملة لنقاباته المركزية في دمشق
وفي هذا السياق، يؤكّد مصدر ميداني في السويداء، في حديثه إلى «الأخبار»، أنّ «الهدوء يسود معظم مناطق المحافظة، باستثناء بعض القرى في الريف الغربي، التي لا تزال تتمركز فيها قوات تابعة لإدارة الشرع، وفصائل من العشائر»، مشيراً إلى أنّ «هذه القرى تعرّضت إلى عمليات حرق ونهب وتخريب متعمّدة، ومعظمها لم يعد صالحاً للعيش». ويرجّح المصدر أن «تنسحب هذه القوات من الريف الغربي في إطار توافق يشمل كامل الحدود الإدارية لمحافظة السويداء»، مشدّداً، في الوقت نفسه، على أنّ «القوات المدافعة عن المدينة لا تزال في حالة استنفار دائم، تحسّباً لأيّ خرق».
كما يلفت المصدر إلى أنّ «دخول القوات الحكومية إلى السويداء مرفوض بشكل قاطع، بعد الدمار والمجازر التي وقعت». وإذ ينفي وجود أي «إعلان عن إدارة محلّية أو ذاتية»، فهو يشير إلى أنّ «السويداء تحاول لملمة آثار الهجمة الكبيرة التي تعرّضت لها، ومن غير المعروف حتى الآن كيف ستدير شؤونها ومؤسساتها في المرحلة المقبلة».
وضع إنساني كارثي
أمّا على المستوى المعيشي، فتعيش السويداء وضعاً إنسانياً كارثياً، مع دخول الحصار أسبوعه الثالث، وانقطاع الطريق المؤدّية إلى دمشق، وسط عدم وصول مواد غذائية وشحّ في مادة الخبز، وندرة الخدمات الصحية والعلاجية المتوافرة، وانقطاع شبه كامل في الكهرباء والمياه، وضعف في شبكة الاتصالات، وانعدام النظافة العامة. ووسط هذه الظروف، ترتفع مناشدات الأهالي لإيجاد حلول عاجلة لإنقاذ حياة الآلاف من سكان المحافظة.
ورغم شحّ الإمكانيات، بادرت مجموعات من الأهالي والفعاليات الأهلية إلى إطلاق مجموعة من المبادرات لتنظيف الشوارع والمراكز الصحية والمستشفيات، ونقل ما يتوافر من مواد غذائية ومياه إلى مناطق تمركز النازحين في صلخد ومدن الريف الجنوبي وبلداته وصولاً إلى الحدود مع الأردن. وإلى جانب ذلك، دعا ناشطون إلى تنظيم سلسلة فعاليات جماهيرية متزامنة عند الخامسة من عصر اليوم، في مركز مدينة السويداء وبلداتها، للمطالبة بالإعلان عن السويداء منطقة منكوبة، والضغط على الحكومة لرفع الحصار المفروض على المحافظة، مع مناشدة الأردن لفتح معبر إنساني مع السويداء، أو فتح ممرّ إنساني مع مناطق سيطرة «الإدارة الذاتية».
استقالات بالجملة
أعلن عدد من المنظمات الشعبية والنقابات المهنية مقاطعته الكاملة لنقاباته المركزية في دمشق، وبدأت موجة استقالات جماعية احتجاجاً على ما وُصف بـ«المجازر الممنهجة» التي طاولت المدنيين في المحافظة، في مؤشر واضح على فقدان الثقة مع السلطات الانتقالية في دمشق. وشملت الاستقالات نقابات المعلمين والأطباء والمهندسين والأطباء البيطريين والمهندسين الزراعيين.
ويأتي هذا فيما تبذل الورشات الحكومية جهوداً لإعادة الحدّ الأدنى من الخدمات، مع تحقيق اختراق جزئي تمثّل بإعادة تغذية المؤسسات الخدمية في المحافظة، وخاصة الكهرباء التي ستسهم في الحدّ من أزمات المياه والخبز. وفي السياق، أكّد المدير العام لشركة الكهرباء، معروف البربور، أنّ «الجهود المبذولة لعمال شركة الكهرباء أدّت إلى وصل التيار الكهربائي على خط 66 ك.ف والذي سيغذّي جزءاً من خطوط المشافي والمياه والمخابز بالكهرباء، وبواقع 15 ميغا، مع استمرار الجهود لإصلاح خطوط الـ230».