الديار: صونيا رزق-
قرى دير الأحمر تحتضن 23 الفاً من جيرانها وتتقاسم اللقمة معهم… الجار قبل الدار
باتت قرى دير الاحمر مثالاً يحتذى به من ناحية احتضانها لجيرانها المهجرين، او الضيوف الذين تعرضت مناطقهم المجاورة للغارات «الاسرائيلية» اليومية، والى إستشهاد العديد منهم وسقوط جرحى ومعوقين، مع دمار هائل لبيوتهم وأرزاقهم، ما أدى الى تهجيرهم الى القرى المجاورة التي تقع ضمن محافظة بعلبك – الهرمل، التي لطالما اشتهرت بمقولة: الجار قبل الدار، وبالكرم والشهامة وبإستقبال الضيف، علامات تميّزت بها من ضمنها دير الاحمر التي تعتبر اليوم من أبرز مستضيفي النازحين من بعلبك – بوداي – سرعين – النبي شيت – شعث- شمسطار- طاريا، وغيرها الكثير من القرى المجاورة.
وتشاركها في ذلك بلدات عرسال- رأس بعلبك – القاع – الفاكهة – الجديدة – معربون- مجدلون وحدث بعلبك وغيرها، بعد وصول العدد الى ما يقارب الـ 60 الف مهجّر وفق إحصاء رسمي، من ضمنهم 23 الفاً يتوزعون على بلدات دير الاحمر، التي بادر اهلها مع بدء الغارات «الاسرائيلية» بالاتصال بأصدقائهم من أبناء القرى المذكورة، بهدف إستضافتهم بكل ترحيب، ففتحت لهم صالات الكنائس ومؤسساتها والمدارس الرسمية والمنازل، وقدّمت لهم كل الحاجات من مأكل ومشرب وفرش وأغطية وأدوية والى ما هنالك، الامر الذي أكد على العلاقات الانسانية المتجذّرة والروابط المتأصلة في المنطقة، التي تحمل كل معاني العيش المشترك التي إشتهرت بها تاريخياً منطقة بعلبك – الهرمل.
الى ذلك، توفرت للمهجرين أيضاً الطبابة عبر المستوصفات المتنقلة، خصوصاً في المناطق التي لا تحتوي على مراكز صحية ثابتة، كما تساهم ايضاً «المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» بتوزيع المساعدات، خصوصاً الملابس والسترات الشتوية، بالتزامن مع بدء الشتاء والعواصف وانخفاض درجات الحرارة الى 5 في فترة الليل.
في السياق، وعلى الرغم من صدور بيان عن اتحاد بلديات دير الأحمر، يفيد بأن القدرة الإستيعابية في المنطقة تخطّت المعقول، ما زال بعض النازحين يتدفقون الى البلدة مع إستمرار الدمار “الاسرائيلي»، ووسط تزايد الاحتياجات والمساعدات، ما دفع بالأهالي الى تنظيم حملات تبرّع بالملابس والبطانيات، كما تقاسموا المواد الغذائية لانهم لا يستطيعون رفض إسقبال اي ضيف، واشاروا الى انّ المدارس الرسمية التي تأوي المهجرين، تفتقر الى مادة المازوت التي نحتاجها كثيراً في هذه الفترة لتشغيل التدفئة.
من جهته، أشار راعي أبرشية دير الاحمر وبعلبك للموارنة المطران حنا رحمة في حديث لـ”الديار» الى “انّ ما نقوم به من إستقبال لإخوتنا اللبنانيين، نابع من قناعة مسيحية ووطنية”، وقال: “أهالي دير الاحمر والجوار فتحوا منازلهم أمام كل النازحين، والكنيسة احتضنتهم انطلاقاً من تعاليمها، ومنذ اليوم الاول على بدء الحرب طالبت بتحضير مستشفى المحبة في دير الاحمر كي نخدم أهلنا”. نطلق صرخة اليوم الى الجهات المعنية للمساعدة في تجهيز المستشفى اكثر، وتأمين المازوت والمواد الطبّية والادوية، قكل هذه الحاجات مطلوبة كثيراً كي نستطيع الاستمرار في المساعدة، والمنطقة اليوم لم تعد قادرة على الإستيعاب، ولدينا بعض العائلات التي لم نستطع تأمينها كما يجب، لكننا نرفض إعادة اي مواطن الى بلدته التي تتعرّض للخطر، فالحمل كبير وعلينا مساعدة بعضنا في هذه الطروف الحرجة”.
وحول حصول إشكالات في البلدة بين الاهالي والمهجرين، أجاب رحمة: “لغاية اليوم لم يحصل اي إشكال، خصوصاً انّ هنالك معرفة سابقة بينهم بسبب الجيرة، لكن في بعض الاحيان تحدث خلافات بين المهجرين انفسهم، فنسارع على الفور لضبط الوضع، وهناك لجنة طوارئ تعمل بشكل متواصل وجدّي، وتقوم بتنظيم كل الامور، ونحن ككنيسة نقوم بالاحصاءات في كل منزل يستوعب نازحين، نسأل عن كل عائلة ومَن لديها، كما تساعد اللجنة المذكورة ايضاً في عمل البلديات، بالتعاون مع عناصر من «القوات اللبنانية” والفعاليات، فيهتمون بمراكز الايواء ويقومون بالتنظيم لمعرفة الوافدين والخارجين من تلك المراكز، كذلك عناصر الجيش يتدخلون على الفور منعاً لأي إشكال، ويتواجدون في كل مراكز الايواء، لذا يمكن القول انّ الوضع جيد جداً، وهنالك تفاهم من هذه الناحية”.
وتابع رحمة: “شكّلنا لجنة طوارئ مؤلفة من المطرانية، مكتب النائب انطوان حبشي، اتحاد البلديات وبلديات المنطقة، مدراء المدارس، الجمعيات الخيرية والشبابية والكشّاف، منسقية القوات اللبنانية، شبيبة كاريتاس، فريق الاسعاف، المراكز الصحية، مركز الرعاية الأولية مستشفى دير الأحمر، مركز برقا الصحي التابع لمنظمة مالطا، بهدف تأمين كل حاجات المهجرين”.
وخلال اتصالات أجرتها «الديار» مع بعض النازحين في دير الاحمر، كان هنالك إجماع انهم يعيشون بين اخوتهم واهلهم، وهم ممتنون جداً لمَن إستضافهم بهذا الترحيب، فساعدهم على تجاوز المرحلة الصعبة التي يعيشونها بعد دمار منازلهم وإستشهاد اقاربهم وإصابة بعضهم، معتبرين بأنّ الخلاف الحزبي بين مناطقنا لم يعد له وجود، لانّ مشاعر الانسانية تسيطر بأبهى معانيها، الامر الذي أكد بأنّ التعايش موجود بقوة في كل لبنان مهما كانت الخلافات السياسية، وبأنّ الفتنة الطائفية التي يتحدث عنها البعض ويطمح بحصولها لن تتحقق، والمثال الاول منطقة دير الاحمر التي تضّم اليوم المهجرين الشيعة، بإحتضان لم نشهده حتى بين اهلنا، اذ بتنا نتقاسم اللقمة معهم.