الديار: كمال ذبيان-
لم يعد للسلاح الفلسطيني داخل المخيمات التي يبلغ عددها 12 ، والموزعة على كل المحافظات اللبنانية، اي مبرر لوجوده وهو ظهر في لبنان لا سيما في منطقة العرقوب في كفرشوبا وشبعا والهبارية وكفرحمام عند الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، وتمركز مقاتلون من حركة “فتح” برئاسة ياسر عرفات في هذه المنطقة في عام 1968 ، واثر هزيمة 5 حزيران 1967 فيها كجيوش عربية امام العدو الاسرائيلي، واحتل جيشه الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان.
وجاءت مجموعات فلسطينية من الاردن وسورية ومن مخيمات لبنان لمقاتلة العدو “الاسرائيلي”، وان الفلسطيني هو من سيحرر ارضه بالمقاومة، فاصطدمت المنظمات الفلسطينية في الاردن بالجيش، وخشي الملك حسين ان تكون دولته هي “الوطن البديل عن فلسطين”.
وفي لبنان بدأت التوترات مع الجيش في اكثر من وجود فلسطيني، وبدأ في مخيم نهر البارد ليتوسع الى صدامات مسلحة في كل المخيمات لم تتوقف، الا بعقد اتفاق القاهرة في 3 تشرين الثاني 1969 ، الذي نظم الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان، ووقعه قائد الجيش العماد اميل البستاني ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، باشراف ورعاية مصر التي مثلها وزير الدفاع محمد فوزي ووزير الخارجية محمود رياض.
واتفاق القاهرة لم يوقف الصدامات العسكرية بين الجيش والفصائل الفلسطينة، وانقسم اللبنانيون بين مؤيد للجيش الذي وقف معه حزبا “الكتائب” و “الاحرار”، وبدأت عملية التدريب والتسليح، وناصرت المقاومة الفلسطينة بالاحزاب اليسارية والقوى الوطنية ، وادى ذلك الى التأسيس لحرب اهلية كان لها ظروفها السياسية والطائفية اللبنانية.
هذا الاتفاق انتهى مفعوله في 21 ايار 1989 بعد موافقة مجلس النواب على الغائه، ووقع مرسومه الرئيس امين الجميل في حزيران من العام نفسه، وهو الغى كل وجود سلاح فلسطيني في لبنان ، مع خروج منظمة التحرير من لبنان في آب 1982 مع الغزو “الاسرائيلي” له، وبات احد طرفي الاتفاق خارجه، ولم يعد لبنان ساحة انطلاق لعمليات فلسطينية منه كما كان في سبعينات القرن الماضي، وانتقلت المقاومة الى احزاب وطنية واجهت الاحتلال “الاسرائيلي” للبنان الذي تحرر في 25 ايار 2000 بجهد كبير “للمقاومة الاسلامية” التابعة لحزب الله.
فالوجود الفلسطيني المسلح لم يعد له مبرر بعد ظهور الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية، بحيث ركزت الفصائل الفلسطينية عملها داخل فلسطين المحتلة وتقدمت حركتا “حماس” و “الجهاد الاسلامي” المشهد الفلسطيني ، في وقت كانت “منظمة التحرير” تعقد برئاسة عرفات “اتفاق اوسلو” مع رئيس حكومة العدو “الاسرائيلي” اسحق رابين في 13 ايلول 1993.
من هنا، فان السلاح الفلسطيني انتفى دوره في لبنان، وتحولت بعض المخيمات الى مواقع للجريمة والارهاب، وايواء الخارجين على القانون اللبناني ،وفق اعتراف مرجع امني لبناني، وقام الجيش بعد اتفاق الطائف، وتطبيق بند نزع سلاح الميليشيات بالتوجه نحو المخيمات، وطلب من القيادات الفلسطينية تسليم السلاح، واقام حواجز على مداخلها، وضبط الدخول اليها والخروج منها، الا ان مخيم عين الحلوة بقي عاصيا على الجيش، واقام امنه الذاتي منذ التسعينات ، مع تنامي الحركات الاسلامية الاصولية ، التي كانت تصطدم بحركة “فتح”.
وسعت مخابرات الجيش لأن تحد من الاشتباكات التي كانت تحصل من حين الى آخر الى ان حصلت حوادث مخيم نهر البارد في 2007، بعد ان سيطر عليه تنظيم “فتح الاسلام” بقيادة شاكر العبسي ، الذي كان يقاتل مع تنظيم “داعش” في العراق، وحضر الى لبنان في اثناء حرب صيف 2006 ، ليشكل مجموعة خدع فيها “فتح – الانتفاضة” بقيادة “ابو موسى”، فتمكن الجيش من انهاء ظاهرة العبسي وكلفته 180 شهيدا وعشرات الجرحى.
وجاءت معارك مخيم نهر البارد بعد عام على توصية طاولة الحوار في مجلس النواب في آذار 2006 برئاسة نبيه بري، بتحرير المخيمات الفلسطينية من سلاحها، لا سيما من هو خارجها، لكن ذلك لم يحصل لظروف لبنانية داخلية، واخرى لها علاقة بالصراع الفلسطيني – الفلسطيني وتكوين “تحالف القوى الفلسطينية”، الذي ضم فصائل معارضة لمنظمة التحرير، وكانت ترعاها وتدعمها كل من سوريا وايران وحلفاء لهما في خط المقاومة بلبنان.
اما بعد التطورات العسكرية والسياسية، التي حصلت من غزة الى لبنان وسوريا، فعاد موضوع السلاح الفلسطيني الى الواجهة، وتمكن الجيش اللبناني بعد اتصالات مع فصائل فلسطينية، التي لها وجود مسلح خارج المخيمات، وهما تنظيما “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” و”فتح – الانتفاضة”، بحيث توصلت مخابرات الجيش مع التنظيمين الى تسليم السلاح، عملا بتوصيات طاولات الحوار واتفاق الطائف، والغاء اتفاق القاهرة، وتبدل طبيعة الصراع الفلسطيني مع العدو “الاسرائيلي” والذي اصبح من الداخل الفلسطيني.
وكانت “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” تربط وجود السلاح خارج المخيمات بان تحصل مقابله على حقوق مدنية للفلسطينيين، واجرى امينها العام الراحل احمد جبريل لقاءات واتصالات عديدة مع المسؤولين اللبنانيين بهذا الشأن، وشكلت لجنة لبنانية – فلسطينية تابعة لرئاسة الحكومة اللبنانية للنظر في هذه الحقوق، كما لتنظيم الوجود الفلسطيني وازالة السلاح منه.
وجاء تجاوب “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” “فتح – الانتفاضة” بتسليم مواقعهم خارج المخيمات مع سلاحها، خطوة ايجابية وسلمية ودون حصول اي اشكال، وهذا تطور يفتح الباب امام وجود السلاح في المخيمات، الذي بات عبئا على سكانها، وهي “تشهد من وقت الى آخر على اشتباكات، وتحديدا في عين الحلوة، اذ تكشف مصادر فلسطينية أن قادة الفصائل الفلسطينية ، باتوا على قناعة بان يتسلم الجيش السلاح، الذي لم يعد موجها الى العدو “الاسرائيلي”، بل لقتال الفلسطينيين بين بعضهم، وان الوجود الفلسطيني المسلح انتهى في لبنان، وسيساعد ما حصل في سوريا على ان يصبح لبنان خاليا من السلاح الفلسطيني.