الفاتيكان لرئيس كفؤ وباريس تُسلّم بأن الكلمة الفصل للبنانيين

أنطوان الأسمر –

مرّت الزوبعة في الفنجان، واستعاد رونقَه وزخمَه الحوارُ بين التيار الوطني الحر وقوى المعارضة والرامي إلى التوافق على مرشح رئاسي ذي مصادقية، راغب في تنفيذ مشروع إصلاحي وقادر على ذلك، والأهم أنه يملك كل الحظوظ من أجل الفوز حال التصويت له في مجلس النواب.

سقطت محاولات التشويش الأخيرة التي غذّاها بالتأكيد المتضررون في جانب معسكر الممانعة، وحصّن الحوار المتعدد الأضلع قيمته بفعل رغبة القوى المتحاورة في التوصل الى المرشح الرئاسي الجدي، مع صفاء النوايا والإرادات، وكذلك مع تبيّن أن العواصم المعنية، ولا سيما باريس، تشجّع على هذا المسعى التوافقي، لاعتقادها أن ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية بلغ ذروته ولم يعد باستطاعة حاضنيه المحليين، وخصوصا حزب الله، تأمين مزيد من الدفع له، واستطرادا حصد الأصوات الـ 65 اللازمة لفرضه رئيسا.

في الأيام الأخيرة، كانت 3 دول أوروبية على موعد مع حراك لبناني لافت. فاللقاءات والاجتماعات التي عقدها رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل مع مسؤولين كبار، من بينهم شخصية أمنية إيطالية رفيعة ومسؤولو المستوى الأول في الفاتيكان والصف الاستشاري الرئاسي الفرنسي، شكّلت دافعا لحوار التوافق. وهو ما شجّع عليه الفاتيكان تحديدا، مع إدراكه خطورة الفراغ الرئاسي على الوجود المسيحي في الشرق ومحاذير التطبيع اللبناني الفادح مع هذا الفراغ. ما يهم الكرسي الرسولي وأركانه المتابعون بدقة للشأن اللبناني، العجلة في انتخاب الرئيس القادر والكفؤ، وليس مجرّد رئيس، بما يؤمّن التوازنات اللبنانية الهشّة ويحفظ للمسيحيين دورهم في تقرير المسار الرئاسي، بلا أي تهميش او تحدّ في آن.

شكّلت لقاءات باريس على وجه التحديد البوصلة التي ستحدّد وجهة حراك باسيل في المرحلة المقبلة، والدافع الرئيس لحضّ قوى المعارضة على التوصل الى توافق رئاسي. استفسر المسؤولون الفرنسيون عن مدى ثبات رفض فرنجية، مع علمهم المسبق بالجواب. هم أصلا أدركوا قبل مدة وصول مسعاهم هذا إلى حائط مسدود. لذا لم يكن من الصعب عليهم تفهّم موقف رئيس التيار الرافض، لا سيما بعدما تأكّد لهم أن مقاربته قائمة على ضرورة أن يكون الرئيس العتيد ممثلاً لبيئته وحاضنته أولا، ثم مقبولاً من المكونات الأخرى، حاملاً مشروعا إصلاحيا، متسلحا بكل ما يؤهله التعامل مع حكومة اصلاحية. وهي مقاربة موضوعية أي خروج عنها يُعدّ الوصفة الفضى للفشل.

ما يهمّ باريس التعجيل في انتخاب رئيس. فهو بالنسبة إليهم واجهة لبنان والممرّ الأول والإلزامي لأي تواصل معه ولأي جهد دولي من أجل المساعدة على الخروج من الأزمة السياسية والإقتصادية – المالية. لذا هم طرحوا، بدءا، تسويتهم لاعتقادهم أنها قابلة للحياة، وأن حزب الله سيسهّل نجاحها. لكنهم ما عادوا ثابتين عليها خصوصا مع استشعارهم حجم الرفض المسيحي لها. بالنسبة إليهم، خيار فرنجية سببه الأول تعثّر المسيحيين في التوافق على اسم يحظى بالحاضنتين المسيحية والوطنية. لذلك تبقى الكلمة الفصل للبنانيين أولا وآخرا في حال توافقوا على اسم آخر.

هذا المناخ المشجّع وما تجمّع لباسيل من معطيات بالغة الأهمية، سيكون خارطة الطريق للمرحلة المقبلة. وهو بالتأكيد زاد فرص التوصل الى توافق رئاسي في الأسابيع القليلة المقبلة، وربما مع مهلة 15 حزيران التي سبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري أن تحدث عنها.

لم يعد خافيا أن المعسكر الممانع يتشدّد في كل مرة يستشعر قصور الفريق المنافس في التوافق على مرشح يقارع فيه فرنجية، ويعود إلى بعض اللين حين يتلمّس اختراقا تسجّله الجبهة المقابلة، لا بل يفقد بعضا من رباطة جأشه متى وقع على تقدم بالنقاط لمصلحة خصومه.

كان لافتا في هذا السياق، اللين في الكلام الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. فدعوته إلى العودة إلى الحوار الذي لا مجال لغيره، من دون اشتراط أن يكون الحوار لترئيس فرنجية حصرا، قد تحمل عناصر جديدة عكَسَها بقوله إن “في الايام المقبلة قد يكون هناك المزيد من التفاؤل في ملف رئاسة الجمهورية”. لذلك تُنتظر ترجمة هذه الدعوة الحوارية والشكل الذي ستأتي عليه، بعد الإقفال الذي شاب الأشهر الفائتة بفعل الثبات على فرنجية، وتحديدا منذ إعلان بري تبنّي هذا الترشيح.

وليس خافيا أن السبب الرئيس في هذا الإقفال جمود الثنائي الشيعي وتعثّر الفريق المناهض لترشيح رئيس تيار المردة في التوصل إلى مرشح منافس.

 

 

You might also like