ينتظر اللبنانيون منذ حوالي المائة يوم تشكيل الحكومة، ولا يزال هذا الملف عالق بين وعود من هنا وتراشق من هناك فيما يغرق لبنان يوماً بعد يوم بازمة تلو الاخرى، هو الذي بحاجة الى توحيد كافة الجهود بغية النهوض به، او أقله وقف الانزلاق السريع.
في الظاهر، يبدو ان الخلاف بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف على توزيع الحصص الوزارية وخاصة المتعلقة بالمسيحيين هو السبب وراء عدم خروج الدخان الأبيض من ملف التشكيل.
اما في الحقيقة فعقبات كثيرة تواجه دولة الرئيس المكلف سعد الحريري، منها ما هو محلي ومنها ما هو متعلق بالخارج، والى حين تفكيك تلك الألغام لن يكون هناك حكومة، مهما طال الانتظار.
داخلياً، وبعد امتناع القوات اللبنانية، حزب الله والتيار الوطني الحر عن تسمية الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة، التزم الأخير مع عدة أطراف لضمان حصوله على العدد الكاف للتكليف، فكانت الوعود للحزب القومي السوري الاجتماعي بإعطائه حقيبة وزارية، فيما كان شرط تيار المردة اتخاذ حقيبتين مقابل تسمية الحريري، ومع بدء مرحلة التشكيل اشتدت الأمور، ولم يعد الحريري قادراً على الاإيفاء بشروطه خاصة تجاه القومي ما يساهم في خسارته لأصوات الكتلة في جلسة الثقة.
اما خارجياً، فتعتبر المملكة العربية السعودية ان الحريري اصبح في احضان حزب الله، وبالتالي فان الطريق نحو الرياض مليء بالعقبات، ولا يزال الديوان الملكي يرفض استقبال الحريري رغم محاولاته العديدة لخرق جدار المقاطعة. كما ان إدارة الرئيس الامريكي الجديد جو بايدن لم تعط بعد اية إشارة بصرف نظرها عن مشاركة حزب الله في الحكومة، مباشرة او عبر مقربين من الحزب، فيما قد سبق للثنائي الشيعي ان اختار وزراءه وحقائبهم، في حين يخشى الحريري من المضي قدماً قبل التأكد من الرضى الأميركي خوفاً من سيف العقوبات التي لوحت به إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في حال تعاون الحريري مع حزب الله، وهذا ما سبق لها ان فعلته ضد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل والوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس.
بالعودة الى الداخل، وفي ظل عدم توافق دولي على مساعدة لبنان، ومع استمرار الحصار المالي والاقتصادي الذي يخنق البلاد، فان الحكومة القادمة ستكون حكومة الخيارات الصعبة، ان من حيث تحليق الدولار مقابل الليرة اللبنانية، او من حيث قرارات رفع الدعم التدريجية ما سيخلق أزمة اقتصادية اجتماعية قد تؤدي الى انفجار في الشارع يفوق ثورة ١٧ تشرين تأثيراً، ما يدفع بالحريري بتأخير التشكيل والدفع برئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب الى تجرع الكأس المرة، فيما يركض الأخير الى تقريب وجهات النظر بين مختلف الافرقاء سعياً منه الى اعادة الكرة الى ملعب الحريري وعدم الخروج من السراي بخسائر إضافية.
اذا، لا نية لدى الرئيس المكلف في الاستعجال في تشكيل الحكومة ولا قدرة، فلا ضوء اخضر خارجي له بعد، ولا فريقه متحمس لوضعه في مواجهة الناس، وفي غياب حكومة فعلية تدير الأزمة، لا رئيس حكومة تصريف الاعمال يتعرض لضغط الشارع، ولا رئيس الحكومة المكلف يُصوب عليه اللوم، وبما ان وسائل الاعلام تستهدف رئيس الجمهورية وتساهم في خلق رأي عام غاضب ضده، اختار الحريري خلق أزمة معه موهماً الناس ان الخلاف على الثلث المعطل، او على وزارتي العدل والداخلية، وبالتالي يحاول الحريري مع الجميع تحميل عون كل الأخطاء بانتظار الإشارة الخارجية التي تأتيهم، فإما تفتح باب التشكيل، ام تبقيه موصداً الى ما بعد اعادة تفعيل المفاوضات الغربية مع ايران مع كل ما يرافق ذلك من تداعيات على الساحة اللبنانية.