الأخبار: تفتح التحركات الإسرائيلية قرب قطنا مسار الخطر نحو دمشق، مع تصعيد ميداني يرسخ التوغّل والضغط لفرض واقع أمني جديد في الجنوب السوري على وقع المفاوضات الجارية في باكو.
حيان درويش-
على وقع تحرّكات سياسية متعدّدة تستهدف استكمال الاتفاق على أوضاع الجنوب السوري، وبشكل خاص في السويداء، وآخرها المفاوضات المباشرة التي من المفترض إجراؤها في العاصمة الآذربيجانية باكو بين الوزير السوري أسعد الشيباني، ووزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، تتسارع التحرّكات المعادية في الجنوب. ووصلت قوات الاحتلال بدورية عسكرية إلى منطقة رأس النبع، الواقعة على الطرف الغربي لمدينة قطنا التي تبعد نحو 20 كلم جنوب غرب دمشق، في ثاني توغّل من نوعه خلال أقل من أسبوع. وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار» من مصادر محلّية، فقد رُصد وجود «عدد من ضباط الاحتلال في الدورية، بينهم المتحدّث باسم جيش العدو أفيخاي أدرعي». ووصلت الدورية التي انطلقت أمس من جبل الشيخ مروراً بطريق قلعة جندل – عيسم، إلى محيط قطنا قبل أن تدخل مقرّ «اللواء 78» في الجيش المنحلّ، حيث أجرت استطلاعاً، وسط انتشار صور للضباط الإسرائيليين قرب قطنا، مرفقة بوسم «وجهتنا دمشق» بالعبرية، في ما يراد عبره تأكيد السطوة الإسرائيلية على الجنوب.
غير أنّ مراقبين يرون أنّ هذا التحرّك يحمل مؤشّرات خطيرة، أبرزها نيّة الاحتلال التمركز الدائم في مقرّ اللواء، تمهيداً للتوغّل نحو مدينة قطنا نفسها، التي تعدّ واحدة من أهم التجمّعات السكانية في ريف دمشق الجنوبي الغربي، وبوابة للعبور نحو مناطق أخرى، من مثل يعفور إذا ما تقدّم العدو نحو الشمال الغربي من قطنا، وجديدة عرطوز إذا ما تقدّم شرقاً، بما يشكّل تهديداً مباشراً للعاصمة. وبحسب مصادر عسكرية، فقد اكتسبت قطنا في ظلّ النظام السابق أهمية عسكرية، نظراً إلى كونها قاعدة سابقة لـ«الفرقة العاشرة» وجزءاً من «الفرقة السابعة»، إضافة إلى وجود قوات من «الحرس الجمهوري» فيها، وقوات أخرى مثل «جيش التحرير الفلسطيني» الذي كان يتبع لوزارة الدفاع قبل تفكيكه عقب سقوط النظام.
نشرت قوات الاحتلال منظومة دفاع جوي في منطقة تل الفرس الواقعة في الجولان المحتلّ
في غضون ذلك، تحدّثت مصادر ميدانية إلى «الأخبار»، عن زيادة ملحوظة في عديد قوات الاحتلال المتمركزة على «شريط الفصل»، ولا سيّما قرب معبرَي حضر – جباتا الخشب اللّذين يُستخدمان للتنقل بين الجولان والمنطقة التي تصفها إسرائيلي بـ«المنطقة العازلة»، في إشارة إلى الأراضي السورية التي احتلّتها بعد سقوط نظام الأسد. وبالتزامن، نشر جيش العدو منظومة دفاع جوي في منطقة تل الفرس الواقعة في الجولان المحتلّ، والمقابلة للحدود الإدارية بين محافظتَي درعا والقنيطرة، حيث عمل على نصب أجهزة تشويش أثّرت في شبكة الاتصالات في المحافظتَين. وترافق هذا التطور مع تحرّكات متزايدة في بريقة وبئر عجم اللّتين تُنشئ فيهما قوات الاحتلال نقاطاً جديدة، بالإضافة إلى استقدامها المزيد من الآليات العسكرية إلى نقطتَي «قرص النفل»، بالقرب من بلدة حضر ذات الغالبية الدرزية في ريف القنيطرة.
وبحسب تقديرات المراقبين، تمارس تل أبيب ضغطاً ميدانياً لفرض اتفاق أمني وفق «خريطة الأمر الواقع»، فيما يبدو أنّ خيارات دمشق باتت أكثر ضيقاً مع تصاعد الضغوط عليها إثر الأحداث التي شهدتها محافظة السويداء. وفي هذا السياق نفسه، تواصل المروحيات الإسرائيلية عبور الجولان نحو الشرق، لتحطّ في مقرّ قيادة «الفرقة 15» التابعة للجيش السابق، والتي تحوّلت إلى قاعدة لفصائل مسلحة في محافظة السويداء.
وبحسب مصدر قريب من «رجال الكرامة»، فإنّ تلك المروحيات «تحمل أسلحة ومعدّات طبية لهذه الفصائل، فيما يجري الإعداد لتشكيل جسم عسكري موحّد سيعمل في السويداء بتنسيق مع «قوات التحالف»، بهدف حماية المحافظة وفرض اتفاق وقف إطلاق نار مستدام». ويلفت المصدر إلى أنّ «الخروقات مستمرّة من قبل مجموعات العشائر، التي ترتبط بشكل وثيق بالحكومة السورية الانتقالية»، مشيراً إلى أنّ ليل الثلاثاء – الأربعاء «شهد محاولة للتّقدّم من قبل هذه المجموعات في اتجاه بلدة الثعلة، والنقاط المحيطة بها، إلا أنّ الفصائل أحبطت الهجوم بالاستفادة من غارات نفّذها الطيران المسيّر الإسرائيلي».
وفي وقت لا تزال فيه السويداء تعاني نقصاً في المواد الأساسية والمحروقات، يرى مراقبون أنّ تصرفات الحكومة السورية تجاه السويداء تفسح المجال لزيادة التدخّل الإسرائيلي في الملف بحجج إنسانية. وفي هذا الإطار، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، إنّ «إسرائيل مستعدّة عسكرياً للدفاع عن الدروز ومعاقبة النظام السوري بشدّة، وخلق ردع قوي يمنع تكرار الهجوم»، على حدّ تعبيره. ودعا الوزير المحسوب على اليمين المتطرّف في الكيان، في منشور على منصّة «إكس»، إلى فتح «ممرّ إنساني فوري» بين محافظة السويداء وإسرائيل، زاعماً أنّ الهدف هو «إدخال مساعدات غذائية وطبية»، على خلفيّة أحداث العنف التي شهدتها المحافظة خلال الأيام الماضية.
ها المحافظة خلال الأيام الماضية.