حبيب البستاني
ما كادت تنتهي الزيارة التاريخية للبابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان وكما كان متوقعاً كرت سبحة التداعيات، ففيما كان البعض يراهن على التداعيات العسكرية لا سيما تلك المتعلقة بالعملية العسكرية الإسرائيلية الكبيرة، التي ساهمت زيارة الحبر الأعظم بإلغائها أو تاجيلها في احسن الأحوال، برز تحرك دبلوماسي وازن لعدد كبير من الموفدين لا سيما الموفد القطري والفرنسي والمصري وغيرهم وكذلك لعدد من سفراء دول مجلس الأمن الدائمي وغير الدائمي العضوية، والذي رافقته المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس. وكان الرئيس الحالي لمجلس الأمن سفير سلوفينيا صاموئيل جبوغارد قد أكد التزام المجلس باستقرار لبنان والمنطقة ككل، وشدد على التزام الجميع باتفاق وقف الأعمال العدائية وبحث في الخيارات المتاحة أمام الجيش اللبناني لتنفيذ القرار1701 .
لبنان أيضاً يواكب التطورات
كان لتعيين السفير سيمون كرم كرئيس لوفد لبنان المفاوض إلى اجتماعات لجنة وقف إطلاق النار ” الميكانيزم ” الصدى الإيجابي إن في الداخل أو في الخارج، وجاء تعيين سفير لبنان الأسبق في واشنطن خطوة كبيرة على طريق نزع فتيل الانفجار وتبريد الجبهة الجنوبية من خلال دعوة واشنطن إسرائيل للالتزام بالقرار 1701، فكرم يتمتع بالصدقية لدى الدوائر الدبلوماسية الأميركية ومن خلال ذلك فإنه بإمكانه أن يتواصل مع واشنطن بحرية وفاعلية أكبر، وهذا شيء جيد إذ إن الولايات المتحدة هي من يتراس لجنة الميكانيزم وبالتالي لها الباع الطولى في التاثير على إسرائيل.
علامات استفهام كثيرة حول ردود فعل السياديين
إذا كان مفهوماً موقف الشيخ نعيم قاسم أمين عام حزب الله من تعيين سياسي مدني لرئاسة وفد لبنان، الذي يتخوف من التطبيع – وإن كان تخوفه في غير محله- وكونه لا يريد إعطاء إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة شيئاً بالمجان، كون تعيين مدني في اللجنة كان واحداً من الشروط الأميركية -الإسرائيلية، فالشيخ نعيم يريد شيئاً بالمقابل كالبدء بتحرير الأسرى أو البدء بإخلاء الأراضي المحتلة، فإن الحملة التي شنها بعض السياديين أو السياديات على السفير كرم واتهامه بإجراء مفاوضات في زمن الاحتلال مع العدو الإسرائيلي، وهذا ما لم يحصل كون السفير كرم لم يكن له صفة لإجراء مثل هكذا مفاوضات وأنه كان يعيش في مدينة جزين آنذاك التي أعرب عن رغبته لكي تبقى تنعم بالهدؤ ولا تدخلها المقاومة كي لا تصبح هدفاً لجيش الاحتلال، هذه الحملة تُعتبر مستغربة إن من حيث التوقيت وإن من حيث الأهداف، وهي تدخل ضمن مسلسل النيل من كل الخطوات التي يقوم بها الحكم لتثبيت سلطته وسلطة الدولة اللبنانية. وفي إطار آخر جاء موقف البعض مغايراً لإرشادات الحبر الأعظم ومناداته لضرورة الارتفاع عن الحقد والضغائن والارتقاء إلى منطق المحبة والتفاهم سبيلاً للحوار وطريقاً للسلام بين الجميع. وقد شكلت إشارة البعض إلى الخلافات العميقة بين مختلف مكونات المجتمع اللبناني، وضرورة أن يقوم الحكم بالحزم لا بالميوعة والتلكؤ باتخاذ القرارات كرد على كل كل ما نادى به البابا.
براك ونتنياهو وجهان لعملة واحدة
في الوقت الذي ينادي به نتنياهو بضرورة تحقيق الإسراع بتحقيق الشرق الأوسط الجديد، وفي الوقت الذي ينادي به رئيس أركانه بضرورة اعتماد الخط الأصفر الجديد الذي رسمته الدولة العبرية في غزة والذي يشكل الضمانة الأمنية لإسرائيل، وبموجب هذا الخط تكون إسرائيل قد اقتطعت أكثر من نصف مساحة غزة بحجة أن الحدود الجديدة هي ضرورية لتأمين أمنها وأمن المستوطنين القاطنين في غلاف غزة، جاء إعلان الموفد الأميركي توم براك على أن كل قرارات الغرب بشأن الشرق الأوسط منذ اتفاقية سايكس بيكو كانت خاطئة، وأنه يجب إعادة النظر بتقسيمات الدول التي أنشات حروباً، كل ذلك بحسب براك فماذا يعني كلام الموفد الأميركي؟ إن اتفاقات سايكس- بيكو التي تم توقيعها في العام 1916 والتي نشا عنها مناطق نفوذ تابعة آنذاك لبريطانيا وفرنسا مع حصص لروسيا وإيطاليا، وأدت إلى تقسيم بلدان الشرق الأوسط من العراق وسوريا ولبنان والداخل العربي إلى كيانات والتي نالت استقلالها في ما بعد، وذلك كما حصل في العام 1920 من إعلان دولة لبنان الكبير. فهل يريد براك إلغاء حدود هذه الدول؟ وهل المطلوب إلغاء الحدود الدولية أي الخط الأزرق بين إسرائيل ولبنان. يبدو جلياً ان الشرق الأوسط الجديد هو فعلاً نقيض سايكس-بيكو أي نقيض الحدود الآمنة والمعترف بها دولياً. فالجميع بانتظار توضيحات الموفد الأميركي كما جرت العادة، لنعرف الخيط الأسود من الخيط الأبيض.
كاتب سياسي*
الشرق الأوسط الجديد ونقيض سايكس بيكو


