السلاح الفلسطيني في المخيمات: خطر داهم على الأمن القومي اللبناني!

داود رمال-

تشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان اليوم واحدة من أخطر المراحل في تاريخها الحديث، مع تصاعد نفوذ الفصائل الإسلامية المسلحة وعلى رأسها حركة “حماس”، وسط فراغ أمني ورقابة محدودة من السلطات اللبنانية. هذا الوضع الشاذ والمزمن بات يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي اللبناني، بعدما تحولت بعض المخيمات إلى بيئة حاضنة للتطرف ومنصة لإدارة الصراعات الإقليمية بالوكالة.

 

الأحداث التي وقعت في مخيم عين الحلوة مؤخراً لم تكن معزولة عن هذا السياق، بل جاءت لتكشف حجم المخاطر الكامنة داخل المخيمات. ففي سلسلة من الاغتيالات الممنهجة التي استهدفت كوادر من حركة “فتح”، ولا سيما شخصيات معروفة باعتدالها، ظهر أن المخطط كان يهدف إلى قلب المعادلة داخل عين الحلوة لصالح “حماس” والمجموعات المتشددة المرتبطة بها. هذه المجموعات لم تكتفِ بالتحريض على الفوضى، بل شرعت بمحاولة فرض أمر واقع جديد بقوة السلاح، ما أدى إلى اشتباكات دموية خلّفت عشرات القتلى والجرحى، ودمرت أجزاء واسعة من المخيم، وأجبرت المئات على النزوح، في مشهد يذكر اللبنانيين بمآسي الحرب الأهلية.

 

لكن عين الحلوة لم يكن سوى أحد العناوين. التقارير الأمنية كشفت أيضاً عن استخدام عدد من المخيمات الأخرى، أبرزها مخيم البرج الشمالي، كمراكز لتصنيع العبوات الناسفة وتجميع المتفجرات، وهي وقائع أكدها الانفجار الغامض الذي وقع داخل أحد المستودعات في “البرج الشمالي” العام الماضي. الحادثة شكلت إنذاراً خطيراً بأن المخيمات لم تعد فقط معسكرات تخزين سلاح تقليدي بل تحولت إلى مصانع موت، قد يتم تصديرها في أي لحظة إلى الداخل اللبناني لتهديد السلم الأهلي الهش.

 

المعطيات الخطيرة لم تتوقف عند حدود لبنان، بل تمددت إلى دول الجوار. فقد كشفت السلطات الأردنية مؤخراً عن خلية إرهابية خطيرة كانت تخطط لتنفيذ عمليات نوعية داخل الأردن، وقد تبيّن أن أفراد هذه الخلية تلقوا تدريبات عسكرية متقدمة داخل الأراضي اللبنانية تحت إشراف كوادر من حركة “حماس”. هذا التطور، الذي لاقى صدىً واسعاً في الأوساط الأمنية الإقليمية، أكد بما لا يقبل الشك أن المخيمات الفلسطينية في لبنان باتت تُستخدم كبؤر لتصدير الإرهاب إلى الخارج، وليس فقط كمشكلة لبنانية داخلية.

 

وفي السياق نفسه، أظهرت التحقيقات الأمنية الأخيرة في لبنان أن العناصر التي أطلقت دفعات الصواريخ الأخيرة من جنوب لبنان باتجاه الأراضي المحتلة، هم أفراد مرتبطون مباشرة بحركة “حماس”، ما زاد من حدة الاستباحة للسيادة اللبنانية، وأعطى إسرائيل ذريعة جديدة لتوسيع نطاق اعتداءاتها على الجنوب.

 

في موازاة هذا التصعيد الميداني، أطلق عدد من الأبواق التابعة لمحور الممانعة حملات سياسية مكثفة لتبرير الفوضى داخل المخيمات، والتبشير بما سموه “ربيعاً جديداً” فيها. هذه الحملات لم تكن بريئة، بل أتت ضمن خطة مدروسة تهدف إلى تهيئة الأرضية لانقلاب “حماس” على الوضع التقليدي في المخيمات، وإقامة سلطات أمر واقع بديلة عن انهيار نفوذها في قطاع غزة بعد الضربات القاسية التي تلقتها على أيدي الجيش الإسرائيلي.

 

وفي خضم هذا المشهد الخطير، كان موقف السلطة الوطنية الفلسطينية لافتاً، حيث أبلغت القيادة اللبنانية بشكل رسمي أنها تقف خلف أي قرار سيادي لبناني يهدف إلى إنهاء حالة السلاح المتفلّت داخل المخيمات، وأنها ترفض استخدام الأراضي اللبنانية منصات انطلاق لأي عمل عسكري أو أمني يضر بسيادة لبنان واستقراره. هذا الموقف يكرس التباين العميق بين من يرى في لبنان دولة مضيفة ينبغي احترام قوانينها، ومن يتعامل معه كساحة متاحة لتصفية الحسابات الإقليمية بلا ضوابط.

 

ولا يمكن إغفال التحذيرات المتزايدة من أن بعض القوى اللبنانية، وعلى رأسها “حزب الله”، قد تجد نفسها أمام امتحان صعب إذا استمرت في الرهان على استثمار الورقة الفلسطينية في الداخل اللبناني. فالتجارب السابقة أثبتت أن إشعال الفتن داخل المخيمات لا يبقى محصوراً بين الفلسطينيين أنفسهم، بل سرعان ما يمتد إلى الأحياء والبلدات المجاورة، ما ينذر بانفجار اجتماعي وأمني واسع النطاق، قد يؤدي إلى تدمير ما تبقى من الاستقرار النسبي في لبنان.

 

أمام هذه المعطيات، يصبح من الضروري على الدولة اللبنانية، بدعم من القوى السياسية اللبنانية والمجتمع الدولي، أن تضع حداً حازماً لهذا التفلت، عبر تطبيق القرارات السيادية المتعلقة بحصر السلاح بيد الدولة، وإطلاق خطة متكاملة لضبط الوضع الأمني في المخيمات بالتنسيق مع القوى الفلسطينية الشرعية، ورفض أي محاولة لاستنساخ مشاهد الفوضى في غزة على الساحة اللبنانية.

 

فالمخيمات الفلسطينية في لبنان وجدت لتكون ملاذاً آمناً للاجئين إلى حين عودتهم إلى وطنهم، لا أن تتحول إلى قواعد عسكرية أو مصانع فتنة تُستخدم لتدمير لبنان من الداخل. والتغاضي عن هذا الواقع القاتل لن يؤدي إلا إلى تسريع الانهيار الكامل للدولة، ودفع لبنان إلى أتون صراعات عبثية لا تخدم إلا الإسرائيلي الذي يتربص بكل فرصة لتصفية القضية الفلسطينية والقضاء على ما تبقى من مناعة لبنانية.

You might also like