السعودية وقطر تمسكان دفة المنطقة: نحو تسوية إقليمية كبرى

منير الربيع- المدن:


يتقدم خيار الديبلوماسية لتطويق أي محاولات إسرائيلية في التصعيد. تشهد الدول الإقليمية حركة ديبلوماسية وسياسية لافتة، خصوصاً على خط الخليج العربي وإيران، في محاولة للجم التصعيد وفتح مسار التفاوض الإيراني الأميركي.

شهدت الأيام الماضية تحركات مكثفة بين السعودية وقطر، ومن قِبَلِهما باتجاه إيران. ولا تنفصل هذه التحركات عن سياق الاستراتيجية الأميركية الجديدة، التي تريد إدارة دونالد ترامب تأمين الاستقرار في المنطقة، ليتباهى الرئيس الأميركي بأنه تمكن من إرساء السلام. وهذا ما تراهن عليه الدول العربية لتجنب حرب جديدة تسعى إليها إسرائيل، إما ضد إيران أو في لبنان.

في الفترة الماضية، تكثفت الاتصالات السعودية- القطرية من أجل منع التصعيد الإسرائيلي ضد لبنان. كما أن البلدين لديهما اهتمام كبير في الاستقرار السوري، ومنع أي جهة خارجية من زعزعته. ووفق ما يفيد ديبلوماسيون، فإن لقاءات عديدة سعودية- قطرية سبقت زيارة أمير دولة قطر إلى المملكة ولقائه بولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وسط معلومات عن رفع منسوب التنسيق بين الجانبين، انطلاقاً من رؤية واحدة، وهي أن المنطقة تحتاج إلى الهدوء وإلى سحب فتائل التفجير. وهذا ما دفعهما إلى لعب دور أساسي بين واشنطن وطهران أيضاً، في سبيل إعادة تجديد المفاوضات.

اللقاء الأول كان بزيارة وكيل وزارة الخارجية السعودية للشؤون السياسية، سعود الساطي، إلى دولة قطر. بعدها جاءت زيارة رئيس وزراء دولة قطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الثاني السعودية، والتقى بولي العهد السعودي بعيداً من الإعلام، إضافة إلى لقائه بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان. في الموازاة، عقد لقاء بين نائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي بوزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي، على هامش منتدى الدوحة. وهذه اللقاءات كلها مهدت لزيارة أمير قطر إلى السعودية.

هذا التنسيق سيكون له أثره على ملفات المنطقة ككل، وأبرزها إيران ولبنان، إضافة إلى التفاهمات حول سوريا، والسودان وحتى اليمن.

في هذا السياق، تبرز قناعة أن المفتاح لسحب فتيل التوتر هو الوصول إلى نقاط مشتركة أميركية- إيرانية. فالاستراتيجية الأميركية الجديدة لا تلحظ استمرار الصراع مع إيران، لا بل هناك محاولات أميركية متكررة للتفاهم مع طهران واستقطابها. وفي السياق نفسه، تعزز التواصل الخليجي مع طهران، في محاولة لإعادة إحياء المفاوضات الأميركية الإيرانية. فحصلت زيارات قطرية وسعودية باتجاه طهران، توجت أيضاً في الاجتماع الإيراني السعودي الذي عقد برعاية صينية. كما عقد على هامشه لقاء بين وكيل وزارة الخارجية السعودية الخريجي، مع نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية مجيد تخت راونجي. وجرى البحث في مختلف الملفات. ووفق المعلومات، فإن البحث شمل ملفات العراق، لبنان، سوريا، واليمن.

يأتي ذلك بعد سلسلة مساع من قبل قطر، والسعودية باتجاه واشنطن في سبيل التفاوض مع إيران. وهنا تؤكد مصادر إيرانية أن طهران وقبل زيارة ولي العهد السعودي إلى واشنطن وجهت له رسالة، تتعلق برؤيتها للوضع في المنطقة، واستعدادها للبحث في معالجة الملفات ديبلوماسياً وتجنب المواجهة العسكرية. ويؤكد المصدر الإيراني أن مرشد الجمهورية الإسلامية نفى أن تكون إيران قد وجهت الرسالة إلى ترامب، لأن الرسالة وجهت إلى السعودية، ولأن إيران لا تريد أن تكون في موضع الطرف الذي يتقدم بالطلب من الأميركيين في العمل على التهدئة.

في الشكل، ما كان لافتاً في بعض الاجتماعات هي مشاركة محمد رضا شيباني. وهناك تؤكد المصادر أن البحث تناول ملفي لبنان وسوريا، خصوصاً أن شيباني كان سفيراً في البلدين، وهو الآن مبعوث وزارة الخارجية للبلدين. وتفيد المعلومات بأن النقاش تناول مسألة رفع مستوى المفاوضات التي يجريها لبنان مع إسرائيل، لتجنب التصعيد أو الحرب. كما أنه تم البحث في كيفية حصر السلاح بيد الدولة، بناء على تسوية سياسية شاملة تضمن حقوق الجميع. أما في ملف سوريا، فالمحاولة الأساسية ترتبط بتثبيت الاستقرار فيها، وحماية حكم أحمد الشرع، وعدم السماح بالقيام بأي تحرك في الساحل السوري لخلخلة نظام الشرع، وعدم إقدام إيران على دعم أي تحرك من هذا النوع.. في مقابل مساعدة دول الخليج لإيران في تفادي أي ضربة إسرائيلية بدعم أميركي.

جزء من هذه المساعي هو الذي فتح الباب أمام رفع مستوى التفاوض في لبنان، وسط كلام إيراني سمعه مسؤولون لبنانيون وآخرون من دول إقليمية بأن طهران لا تريد التدخل بالشأن اللبناني، وأن المفاوضات هو خيار لبناني، كما أن سلاح حزب الله يُبحث به داخل لبنان ومع الحزب.

في هذا السياق، تفيد المصادر من إيران بوجود اختلاف في وجهات النظر حول مقاربة الملفات، فهناك غالبية سياسية تريد التفاوض وتراهن عليه، في حين هناك مجموعات أخرى ترفض ذلك، ولا تزال تصر على التصعيد والتشدد بالشروط. ما بين الرأيين يبقى الفصل للخامنئي، الذي يريد المفاوضات لكنه لا يريد أن ينتج عنها أي انعكاس سلبي على الوضع الداخلي الإيراني.

في المقابل، تفيد معلومات أخرى بأنه في ظل هذه الأجواء، فإن خامنئي يربط مسار التفاوض بشخصه وبالأمين الأعلى لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، ورئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف. وفي حال كان لا بد من التفاوض، فيجب أن يكون عبر التنسيق بين هؤلاء مع عدم إطلاق يد وزارة الخارجية أو رئاسة الجمهورية.

هذه الأجواء هي التي فتحت الباب أمام التهدئة النسبية في لبنان، وتجنب حرب كبرى كانت تهدد بها إسرائيل، مع ترك المجال أمام التفاوض كخيار. لكن التفاوض لن يكون مرتبطاً فقط بالجانب العسكري حول الوضع في الجنوب؛ بل يشمل إطاراً سياسياً متكاملاً حول كيفية حصر السلاح بيد الدولة، مقابل دفع إسرائيل إلى وقف اعتداءاتها، ووضع جدول زمني للانسحاب.

في هذا السياق، تفيد مصادر متابعة بأنه في ظل انتظار التقرير الرابع للجيش اللبناني، والذي سيتم تقديمه في 5 كانون الثاني 2026، يسبقه اجتماع رباعي في فرنسا بين قائد الجيش رودولف هيكل، الموفدة الأميركية مورغان أورتاغوس، المسؤول السعودي عن الملف اللبناني يزيد بن فرحان، ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الأوسط آن كلير لوجاندر، سيعرض فيه قائد الجيش كل ما قامت به المؤسسة العسكرية لحصر السلاح في جنوب الليطاني، كما سيشدد على أن الجيش بحاجة لمساعدات عديدة كي يتمكن من استكمال انتشاره، وسيقدم لائحة بهذا الشأن. كما أنه سيعرض صيغة لخطة سحب السلاح في شمال الليطاني.

هذا الاجتماع من شأنه إعادة تحريك البحث في إجراء زيارة جديدة من قبل قائد الجيش رودولف هيكل إلى واشنطن وإعادة ترتيب العلاقات، إضافة إلى المساعي اللبنانية مع الأميركيين لعدم تخفيض أو إلغاء الكونغرس للمساعدات العسكرية المقدمة للبنان.

تكمن المشكلة الحقيقية في كيفية تعاطي حزب الله مع مسألة شمال الليطاني. هنا تفيد مصادر ديبلوماسية بأن العمل سيكون مع إيران بهذا الخصوص، إضافة إلى الضغط على إسرائيل للالتزام بجدول زمني حول الانسحاب من النقاط التي تحتلها، انسحاباً متدرجاً. ومن بين الصيغ التي يتم السعي إلى بلورتها هي الانسحاب الإسرائيلي من النقاط على نحوٍ متدرج، وعلى إيقاع استكمال الجيش لخطته في حصر السلاح شمال الليطاني. وهذا من دون إغفال البحث في المنطقة الاقتصادية في الجنوب، والتي تصر إسرائيل على أن تكون عازلة وخالية من السكان، في حين يتمسك لبنان بعودة السكان إليها والبحث في آلية لإدارتها. وهنا تفيد المصادر بأنه في المرحلة المقبلة قد يبرز دخول عربي على خط التفكير بهذه المنطقة الاقتصادية. إلى جانب السعودية وقطر، دول عديدة تسعى للعب دور على الساحة اللبنانية، إما عبر البحث والتفكير بمرحلة ما بعد اليونيفيل، أو في كيفية الوصول إلى صيغة مرضية لمعالجة ملف السلاح، تكون مبنية على إنجاز تسوية سياسية شاملة، تنطلق من الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف كاملاً، على قاعدة أن هذا الخيار هو الأفضل للحفاظ على الكيانية اللبنانية، في مواجهة أي تهديدات إسرائيلية أو أزمات سياسية داخلية، قد تدفع الكثيرين للخروج إلى البحث عن صيغة بديلة لنظام الحكم.

You might also like