الرئاسة شطرنج كش ملك- حبيب البستاني

بالرغم من التحولات الكبيرة في المنطقة، وبالرغم من اهتمامات البعض وتطلعهم إلى ما وراء الحدود، ورهاناتهم على هذا الفريق أو ذاك من سوريا وتركيا إلى إيران والعراق لا سيما إسرائيل، تبقى الأوضاع اللبنانية الداخلية محط أنظار السواد الأعظم من اللبنانيين، وتبقى انتظارات اللبناني محصورة بمستقبل لبنان حصراً وذلك بغض النظر عما يحصل في الإقليم. فلبنان قد عانى الكثير الكثير من تدخلات الخارج والمحيط في شؤونه الداخلية، وحتى أن معظم الحروب إن لم نقل كلها قد حدثت بفعل التدخلات الخارجية ابتداء من حرب ال 75 التي لم تكن لتحصل لولا الوجود الفلسطيني والتشعبات الخارجية لهذا الوجود، من ليبيا إلى العراق وصولاً إلى سوريا والصاعقة وكل المنظمات المنضوية في إطارها. ولم تكن الاتفاقات أو الخلافات العربية-العربية إلا مصدر قلق وفتن للشعب اللبناني، وحتى أن اتفاق الطائف الذي لم يكن ليرى النور بدون تفاهم ال س-س أي السعودية وسوريا، وهذا الاتفاق الذي اُدخل ضمن الدستور اللبناني لم يكن لينفذ أو على الأقل جزء منه، إلا تحت الوصاية السورية ورعايتها. أما اليوم وبعد التغيرات الجذرية في عاصمة الأمويين يبقى معظم اللبنانيين حذرين بانتظار القادم من الأيام وبانتظار إيفاء قائد الثورة السورية أحمد الشرع بعدم التدخل في الشؤون اللبنانية، واكتفائه بإعطاء “النصائح”. وتأتي زيارة الوزير وليد جنبلاط والوفد الدرزي الكبير إلى قصر الشعب في إطار البحث عن تطمينات لدروز سوريا وضرورة احترام خصوصيتهم وضرورة تمثيلهم في الحكم الجديد، فالزعيم الدرزي الذي تمتد زعامته إلى ما وراء الحدود لتشمل دروز سوريا والجولان والسويداء يعلم أن التفاهم مع الحكم الجديد هو ضرورة للمحافظة على وجود بني معروف على أرض الأمويين. وكان رئيس الحزب الاشتراكي يتمتع بمكانة خاصة عند السوريين وعند الحكم في سوريا وذلك قبل مجيء الجولاني، وقد استمرت هذه العلاقة المتينة لغاية اغتيال المعلم كمال جنبلاط. وفي عجالة سعيه لتثبيت العلاقة الدرزية السورية مع القائد أحمد الشرع لم ينس الزعيم الدرزي من إضفاء نكهة وطنية على الزيارة بإضافته ورقة مطالب تتضمن شكل العلاقة بين لبنان وسوريا.
الرئاسة أكثر من ضرورة
لا يختلف اثنان في لبنان أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية من شانه إدخال لبنان في عصر جديد من السلام والطمأنينة، وإعطاء اللبنانيين كل اللبنانيين الشعور بالأمن والآمان في آن معاً. من هنا فإن اللبناني ينتظر الكثير من موعد التاسع من يناير من العام الجديد، وهو ينتظر أن تحمل السنة الجديدة انتخاب الرئيس الرابع عشر للجمهورية، وبعكس السياسيين فإن آخر ما يهم اللبناني هو فقط وجود رئيس جديد وذلك بغض النظر عن إسمه، رئيس يشكل المدماك الأول في إعادة تكوين السلطة، لا سيما تشكيل حكومة فاعلة غير منقوصة الصلاحية تقوم بعملية الإصلاح ولا سيما نقل لبنان من حالة الفوضى إلى حالة النظام. فبفعل الفراغ القاتل في موقع الرئاسة لأكثر من سنتين غرق البلد في فوضى عارمة وغاب منطق المحاسبة والخضوع للقانون، واستطاع من سلبوا اللبنايين ودائعهم من الإفلات من العقاب، فرئيس الجمهورية وهو الوحيد الذي يحلف القسم من شأنه المحافظة على الدستور وتطبيق القوانين المرعية الإجراء. كذلك للرئيس دور اساسي إن لم يكن الدور الوحيد في إبرام الاتفاقيات الدولية ولبنان قادم على عقد اتفاقيات جديدة وفي مختلف المجالات. ولعل الدور الأبرز للرئيس هو جمع شمل اللبنانيين للتفاهم على كل المواضيع لا سيما موضوع تثبيت الأمن بموجب استراتيجية دفاعية يكون من أولى مداميكها حصر السلاح بيد الدولة، فرئيس الجمهورية هو القائد العام للقوى المسلحة وهو القادر على فرض منطق الدولة على ما عداه.
اللعب في الوقت الضائع
يستمر بعض السياسيين في اللعب في الوقت الضائع من هنا ولغاية التاسع من يناير، ويستمر معه رمي الأوراق والأسماء بحيث أصبحت هذه الأسماء كاحجار دامة الهدف منها الحرق وضرب المرشحين الآخرين. هكذا يبدو موقف الزعيم الدرزي الذي ربما أراد من وراء تاييد ترشيح العماد عون قطع الطريق على سمير جعجع الذي ربما قد يفكر بالترشح وأكبر دليل على ذلك أن القوات لم تعلن بعد دعم أي مرشح، مما يعني أن لديها مرشحاً مضموراً ليس غير جعجع الذي وبالرغم من حساسية طرحه لما يمثل من تحدٍ لشريحة كبيرة من اللبنانيين، ولكنه يعتمد على متغيرات قد يأتي بها تبؤ الرئيس ترامب مقاليد الرئاسة. أما المرشحين الآخرين وباستثناء الأمنيين الثلاثة عون خوري والبيسري بالإضافة إلى زياد بارود، ما هي إلا ترشيحات في معرض إثبات الوجود لا اكثر ولا اقل. لقد وصلت انتخابات الرئاسة إلى المربع الأخير من لعبة الشطرنج والتي تشكل التحركات المقبلة لأي من الكتل بالضربة القاضية أي “كش ملك”. فالجميع مدعو إلى الجدية في مقاربة الاستحقاق الرئاسي وإن السياسيين كما رجال الدين مدعوون لرمي كل ثقلهم في هذا المجال وعدم الاكتفاء بالعظات.
كاتب سياسي*

You might also like