“الحزب” يربط تسليم سلاحه بالاستراتيجية الدفاعية التزاماً بحصريته!

محمد شقير- 

استحقاقان يتصدران الاهتمام اللبناني؛ الأول: التمديد لـ«قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)» لعام جديد، الذي يضعه في حالة ترقب لما سيصدر عن مجلس الأمن الدولي في جلسته المقررة الاثنين المقبل، ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه، فيما يبقى الثاني معلقاً على رد إسرائيل على «الورقة الأميركية»، الذي سيحمله الوسيط الأميركي توم برّاك إلى الرؤساء في زيارته بيروت قبل نهاية الشهر الحالي، وكيف سيتعاطى معه «حزب الله».

 فالصيغة التي أعدتها فرنسا للتمديد لـ«يونيفيل» هي الآن موضع تجاذب بين الدول الأعضاء بمجلس الأمن في ضوء إصرار الولايات المتحدة الأميركية على خفض مساهمتها المالية في موازنة الأمم المتحدة لهذا العام، ومطالبة إسرائيل بإنهاء مهامها بذريعة أنها لم تمنع «حزب الله» من بناء بنيته العسكرية في منطقة جنوب الليطاني مدعومة بقوة صاروخية مع أنها خاضعة لسلطة الجيش بمؤازرة «يونيفيل».

قلق لبناني

وفي المقابل، لا يخفي لبنان الرسمي قلقه حيال ملف التمديد لـ«يونيفيل» بالتلازم مع خفض عددها، وهذا ما يوليه رئيس الجمهورية، العماد جوزيف عون، أهمية خاصة ويتصدر لقاءاته بالوفود الأميركية التي تستعد لزيارة لبنان، للضغط على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب لعلها تعيد النظر في موقفها، خصوصاً أن الأمر يتعارض مع تثبيت وقف النار الذي يسعى إليه برّاك ويقوم على أساس تمكين الجيش من الانتشار حتى الحدود الدولية بمؤازرة «يونيفيل» لتطبيق القرار «1701».

ويلتقي الرئيس عون، القَلِقُ على خفض عدد «يونيفيل»، رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سأل، لدى استقباله، الاثنين، عضواً في الكونغرس الأميركي: كيف للساعي إلى تثبيت وقف النار أن يستهدف جهوده بدلاً من أن يبادر إلى تعزيز دور القوات الدولية وتوفير الدعم للجيش لبسط سلطته على جميع أراضيه؟

وفي هذا السياق، توقف مصدر نيابي أمام اكتشاف «يونيفيل» بالتنسيق مع الجيش نفقاً في بلدة عدشيت القصير بطول 50 متراً، ووُجدت فيه عدّة وذخائر غير متفجرة، وقال إن اكتشافها هذا يشكل دعماً للتمسك بدورها وعدم تقليص عددها.

تصلّب «حزب الله»

وبالنسبة إلى الجواب الإسرائيلي الذي ينتظره لبنان على «الورقة الأميركية»، التي حظيت بتأييد الحكومة وإصرارها على «حصرية السلاح» للتأكد من مدى استعداد تل أبيب للتجاوب معها بتوفير الضمانات المطلوبة لتطبيقها، فإن «حزب الله» استبق ردها بتأكيد موافقته على «حصرية السلاح» انسجاماً مع تأييده البيان الوزاري ومشاركته في الحكومة بوزيرين، مشترطاً عدم ربط تطبيقها بجدول زمني.

وعلمت «الشرق الأوسط» أن علاقة الحزب بعون شهدت تبادلاً للعتب أعقب اجتماعه برئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» على خلفية قرار الحكومة «حصرية السلاح» وتكليفها قيادة الجيش وضع خطة لتطبيقه وجمعه قبل نهاية العام الحالي.

لكن التواصل بين عون و«الحزب» لم ينقطع، وبقي قائماً عبر قنوات للتداول في كل ما يتعلق بقرار الحكومة وردود الفعل الدولية والعربية المؤيدة له، بخلاف علاقته ببري التي وصفتها مصادر مواكبة بأنها كانت وما زالت جيدة جداً ولا تشوبها شائبة، ولا صحة لكل ما أشيع بشأن دخولها حالة فتور.

نصائح لـ«حزب الله»

وكشفت مصادر وثيقة الصلة بـ«الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله)» لـ«الشرق الأوسط» عن أن نصائح أُسديت للأمين العام لـ«حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، بأنه لا مصلحة له في رفع سقوفه السياسية، وأنه «لم يكن مضطراً لتوسيع تهديداته يميناً ويساراً، ولا مبرر لتلويحه بالنزول وحليفته حركة (أمل) إلى الشارع».

وسألت: «ما الجدوى من لجوئه إلى التصعيد وضد مَنْ يريد أن يتظاهر؟». وقالت إن «مثل هذه الخطوة لن تقدّم أو تؤخّر، وهواجسه ومخاوفه لا تعالَج بتهديد السلم الأهلي وبرفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي».

وأكدت المصادر أن «أمل» تتقيّد «حرفياً بتوجيهات رئيسها الرئيس بري، الذي كان أوعز إلى محازبيه بعدم النزول إلى الشارع، محذراً بفصل من يخالف تعليماته، وبالتالي لن يكون شريكاً في توفير الغطاء باللجوء إلى الشارع، وإن كان يتفهم هواجس ومخاوف حليفه ويشاركه في معظمها».

حرق المراحل

بدوره، أكد مصدر وزاري أنه لا صحة لتمديد المهلة التي حُدّدت لقيادة الجيش لإعداد خطة لـ«حصرية السلاح». وقال إنها تعكف حالياً على وضع الخطة مقرونة بجدول زمني لتطبيقها، مؤكداً لـ«الشرق الأوسط» أن «في وسع (الحزب) التواصل مع القيادة لينقل إليها هواجسه ومخاوفه، ما دام يدرك سلفاً أنها لا تريد الصدام معه، لكنها لن تسمح بتهديد السلم الأهلي والإخلال بالأمن».

ورأى أن «الحزب» يستبق الجواب الإسرائيلي، و«لم يكن مضطراً إلى حرق المراحل بدلاً من التريث للوقوف على جواب تل أبيب ليبني على الشيء مقتضاه»، وكشف، وفق ما توارد إليه من معلومات، عن أن «(الحزب) يتمسك بالاتفاق الأول لوقف النار الذي التزم به لبنان منذ سريان مفعوله في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وتقيد به (الحزب) الذي لا يبدي حماسة للدخول في نقاش بشأن الاتفاق الثاني الذي وضعه برّاك».

الالتزام بالاتفاق الأول

فـ«الحزب»، وفق المصدر، «يتصرف على أن لا علاقة له بالاتفاق الثاني، ويمتنع عن التعليق عليه ما دام تجاوب مع الاتفاق الأول وأخلى مواقعه في جنوب الليطاني وسلّم الجيش ما لديه من مواقع ومنشآت عسكرية؛ أكانت فوق الأرض أم تحتها، ولم يعترض على قيام (يونيفيل)، وغالباً بالتنسيق مع الجيش، بوضع يدها على أنفاق ومصادرة ما تختزنه من سلاح وصواريخ ومعدات عسكرية».

وفي هذا السياق، نقل نائب، فضل عدم ذكر اسمه، عن زملائه في كتلة «الوفاء للمقاومة»، أن إسرائيل «لم تلتزم الاتفاق الأول، ونحن من جانبنا نصر على تطبيقه، ولا نحبّذ تحديد جدول زمني لسحب سلاحنا خارج جنوب الليطاني، ونبدي كل استعداد وانفتاح للبحث به لإلحاقه باستراتيجية أمن وطني دفاعية» التي طرحها عون في خطاب القسم.

وأكد أن زملاءه في «الحزب» ليسوا في وارد إقفال الباب أمام البحث بسلاحه؛ شرط عدم ربط تسليمه بجدول زمني، بذريعة أنه شأن داخلي، ويمكن الاستقواء به ورقةَ قوة للبنان لا يجوز التفريط فيها مجاناً، مع أنهم، على حد قوله، يواجهون مشكلة بعدم تراجع عون والحكومة عن «حصرية السلاح» وتطبيق جمعه قبل نهاية العام الحالي كما نص عليه قرار مجلس الوزراء.

فهل يصر «الحزب» على موقفه في ظل الضغوط الدولية والعربية والإجماع اللبناني المؤيد لـ«حصرية السلاح»؛ أم إنه يضغط لمقايضته بثمن سياسي لا مبرر له، إلا إذا كان يعتقد أن تمسكه بسلاحه هو المصدر الوحيد لوجوده السياسي الذي يقر به خصومه من موقع الاختلاف معه؟

You might also like