– فرنسا إستمزجت آراء المسؤولين اللبنانيين عن مرحلة ما بعد الحريري قبل اعتذاره
– إستمرار التحرك الفرنسي تجاه لبنان
– لن تجدي نفعاً عمليات قطع الطرق ومحاولات شل البلد
– لم تتبن الحريري أي دولة سنية مؤثرة في لبنان والمنطقة
– ردود الأفعال الشعبية إثر إعتذار الحريري كانت أقل من خجولة
– تقريب موعد الإنتخابات الى شباط المقبل
الثبات: حسان الحسن-
كما كان متوقعاً، إعتذر الرئيس المكلّف سعد الحريري عن إستمراره في عملية تأليف الحكومة، فهو مهّد لذلك، من خلال إشاعة أجواء إعلامية قريبة منه، رجحّت هذا الإعتذار، خصوصاً في الأيام الأخيرة، التي سبقت إعلان تخلي الرئيس المكلّف عن مهمته الحكومية.
إذا لم يكن لهذا الإعلان أي وقعٍ يذكر، لدى الأطراف الداخليين والخارجيين الناشطين على خط تأليف الحكومة المرتقبة، وهنا تكشف مصادر معنية، شاركت في أحد الإجتماعات التي عقدها الموفد الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل، خلال جولته الأخيرة في الأيام القليلة الفائتة في لبنان، أنه إستمزج آراء من إلتقاهم، في شأن مرحلة ما بعد “الإعتذار”، ومن سيخلف الحريري، وذلك قبل إعلان إعتذاره. ما يؤشر أن الجانب الفرنسي، ماضٍ في عملية الضغط على مختلف الأطراف المعنيين في تشكيل الحكومة اللبنانية، لغاية التوصل الى إتفاق، يفضي الى ولادتها المرتجاة.
وما يؤكد جدية إستمرار التحرك الفرنسي تجاه لبنان، هي التحضيرات الفرنسية (للمؤتمر الدولي لدعم لبنان)، المزمع عقد في الرابع من آب المقبل.
إذاً، لم يغيّر إعتذار الحريري، في المسار الدولي تجاه لبنان، ولن تجدي نفعاً عمليات قطع الطرق، ومحاولات شل البلد، وإفتعال الإستفزازات في مناطق حساسة، التي قد تستدرج بدورها مشكلاتٍ ذات إبعادٍ مذهبية.
حتى المواقف “التعبوية- الإنتخابية” الصادرة عن نادي رؤساء الحكومات السابقين، وبعض الساسة من أهل السنة، الداعية الى عدم الموافقة على طرح أي أسمٍ لرئيس مكلّف غير الحريري، ليست سوى “فقعات صابون” و”حلفة مزايدات” في مرحلتي ما قبل الإنتخابات النيابية، وفي إنتظار جلاء الموقف الدولي حيال الشأن الحكومي في لبنان في آنٍ معاً، ليس إلا.
ومعلوم أن رئيس الحكومة السابق، هو من إستقال من واجبه الوطني، غداة حدوث “إحتجاجات17 تشرين الأول 2019)، رغم مناشدته من أبرز الأفرقاء اللبنانين، بعد التخلي عن واجبه في تلك المرحلة الدقيقة التي مر فيها البلد، غير أنه أصر على “الإلتحاق بركب الثوار”، في حينه. ثم هو من أعلن إعتذار عن “التكليف” أخيراً، بعد مضي تسعة أشهر على تكليفه الدستوري. وبالتالي، ليكف الحريري وأتباعه عن إثارة النعرات الطائفية والمذهبية، من خلال إستهداف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وحزب الله، خصوصاً أن الأخير، قدم كل التسهيلات لنجاج مهمة الحريري، المرفوض من قبل المملكة السعودية، ولم تتبناه أي دولة سنية مؤثرة في لبنان والمنطقة، فلم تجد نفعاً، جولاته على تركيا، ومصر، والإمارات العربية، في تأمين حاضنة سنية له، ودعمٍ لمهتمه الحكومية. وما زاد “الطين بلة”، هو بروز الخلاف السعودي- الإماراتي في الآونة الأخيرة، ولاريب أن كل هذه الأسباب، دفعت بالحريري الى إتخاذ موقفه الحاسم بالإعتذار. وتؤكد هذه الجولات أن العوائق أمام مهمة الحريري، كانت خارجية، وليست داخلية كما يدّعي، وإلا ما هي الأسباب التي دفعته الى القيام بالجولات المذكورة، وهل ثمة تأثيرٍ مصري أو إماراتي أو تركيٍ على الرئيس عون، الذي يتهمه الحريري بالتعطيل؟
حتماً ان هذه الإدعاءات لن تنطلي على الرأي العام المحلي وغير المحلي، والدليل أن ردود الأفعال الشعبية، إثر إعتذار الحريري، كانت أقل من خجولة، فأقدم أتباعه على قطع بعض الطرق الحساسة، كطريق بيروت- الجنوب، في محاولة لإستفزار جمهور حزب الله، غير أن أنها كالمعتاد، باءت بالفشل، ولن تقطع الطريق أمام عملية تكليفٍ لرئيس حكومةٍ جديدٍ، غداة الإستشارات النيابية الملزمة التي سيجريها رئيس الجمهورية في قصر بعبدا في وقتٍ قريبٍ، التزاماً بالدستور، بحسب تأكيد مصادر عليمة.
وفي هذا الصدد، يؤكد مرجع معني في فريق ال-مقاوم-ة، أن فريقه السياسي وحلفاءه، درسوا كل الإحتمالات الرامية الى سياسة التعطيل، ومحاولات إحداث فراغٍ حكومي في البلد. وتوقع نجاح “سيناريو” من اثنين هما:
الأول– لا يستبعد المرجع، تكليف رئيس جديد للحكومة، يكون من خارج “النادي السياسي”، كاستعادة تجربة السفير مصطفى أديب، أو شخصيةٍ مماثلةٍ له، غير مستفزة لآل الحريري، ورؤساء الحكومات، وغير مرشح للانتخابات النيابية المقبلة، كذلك يحظى بدعم دولي، قد يمكنه من وقف الإنهيار الإقتصادي، واجراء الانتخابات. ولا يستبعد المرجع تقريب موعدها الى شباط المقبل.
الثاني- تفعيل حكومة الرئيس حسان دياب، كونها الأطار القانوني الوحيد، القائم راهناً، ولا تستدعي تكليفاً جديداً، في حال سعرّ الحريري ومن حوله الخطاب المذهبي، لقطع الطريق على أي تكليفٍ جديدٍ. هذا إذا نجحوا في الضغط على النواب السنة في عدم تسمية أي رئيسٍ مكلفٍ جديدٍ غير الحريري.
عندها لا يستبعد تفعيل حكومة تصريف الأعمال وتوسيع صلاحياتها، لإتمام مهمتين محددتين، وقف “الإنهيار” وإجراء “الإنتخابات”، ليس إلا، ولكن هناك عائق أساسي امام نجاح هذا “السيناريو”، وهو إشتراط دياب، بمنحه تفويض من مجلس النواب بتفعيل حكومته، الأمر الذي يعتبره الرئيس نبيه بري، هرطقة دستورية، ويرجح المرجع ألا يبقى الأفق الحكومي مسدوداً، وقد ينجح هذا “السيناريو”، في حال تضافر الجهود، وتقديم بعض التنازلات المتبادلة، يختم المرجع.
بصرف النظر، لأي من “السيناريوهين”، سيكون رجحان الكفة، يبقى الثابت الوحيد، هو أفول “الحريرية السياسية”، خصوصاً بعد إقفال الباب السعودي أمام “رئيس المستقبل”، والباب السوري أمام حليفه الأساسي، فاصبحا في حال من إنعدام التوازن، على حد تعبير مرجع سياسي.