الحدود بين لبنان وسوريا: بؤرة التوتر والتاريخ المشترك

وكالات: رسائل إقليمية تحملها المعارك اليوم على الحدود اللبنانية – السورية، فالاشتباك الحاصل يوضح أن مسألة ترسيم الحدود لا تطرح قضية إشكالية عابرة خصوصا في منطقة البقاع الشمالي، حيث تمثل منطقة الهرمل، الواقعة في شمال شرق لبنان، نقطة التقاء حيوية بين جغرافيا لبنان المعقدة وسوريا المجاورة.

 

المعارك الجارية تعكس تناقضا صارخا على مستوى التحولات السياسية، ففي سوريا ولبنان سلطتين سياسيتين جاءتا وفق ظرف إقليمي يطرح نظريا على الأقل تصورا جديدا لغرب آسيا بعيدا عن الصراعات، لكن ما حدث هو انتقال التوتر إلى الحدود الداخلية لدول المنطقة وبعيدا عن “إسرائيل”، ورغم التواصل بين دمشق وبيروت لكن المعارك لمتعد احتمالا فقط، إنما غدت أمرا واقعا، ويمكن هنا ملاحظة أمرين:

 

الأول أن المعارك الدائرة لم تظهر نتيجة تصعيد سياسي، إنما اندلعت بفعل أحداث أمنية كان من المفترض أن تتوقف سريعا نتيجة التاريخ الخاص الذي شكل تماسا دائما وخطوط تهريب معروفة للجهات الرسمية في البلدين، وهذا الأمر مؤشر على فراغ سياسي واضح، حيث لم تستطع الدولتين استيعاب ما يجري سياسيا رغم التجربة الطويلة المرتبط بالمنافذ البرية بينهما.

 

كان التماس الأمني بين البلدين عاديا وينتهي عبر مؤسسات الدولة سواء في لبنان أو سوريا، وحتى العلاقة في السكان على طرفي الحدود لمتصل إلى حدود التوتر القائمة الآن، وبغض النظر عن الروايات الخاصة ببدء الاشتباكات، فإن ما جرى يوضح أنه لا يستند إلى بعد سياسي بل لمحاولات ضبط الحدود بطريقة غير مألوفة على المستوى السياسي

 

الثاني طبيعة الآليات السياسية التي تم عبرها إدارة الأزمة، فما حدث لم يكن معركة على مستوى المؤسسات العسكرية، إنما بين العشائر في الهرمل، والفصائل المسلحة في سوريا نظرا لأن الجيش السوري مازال في طور “التأسيس”، ووفق المعلومات فإن الاتصالات بين دمشق وبيروت لم تحمل أي جديد، وتُركت مساحة الاشتباك لتقديرات محلية دون النظر للبعد الإقليمي العام.

عمليا فإن الاهتمام الرسمي بالاشتباكات كان في حده الأدنى أيضا، حيث انشغل الإعلام اللبناني بمسألة تأليف الحكومة، وعلى الجانب السوري فإن التركيز انصب على الاتصالات الدبلوماسية مع أوروبا، وهذا الشكل من التعامل مع الاشتباكات يطرح أسئلة كثيرة حول طبيعة التفكير بالأمن الإقليمي لكلا البلدين.

 

المعارك هي رسائل لنوعية الصراعات القادمة التي تبدو أضيق من معارك الجيوش والدول، لكنها خطرة على التوزع السكاني بين البلدين لأنها تخلق حالة قطيعة لأن الجغرافية الخاصة بالمعارك ليست مجرد نقطة على الخريطة، بل تماس بين التاريخ والجغرافيا والسياسة، حيث يتداخل فيها الماضي الاستعماري مع الحاضر المضطرب، وتنغمس فيها الحدود بين الدولتين في شبكة من التعقيدات، فالهرمل التي تعكس بتضاريسها الجبلية والسهلية الوضع الجغرافي المشترك بين لبنان وسوريا، تُعتبر جزءا من شبكة معقدة من المناطق الحدودية التي تتميز بتنوع تضاريسي، وتتحول إلى نقطة استراتيجية على خارطة الصراع والاتصال بين البلدين.

You might also like