يعتبر التيّار الوطنيّ الحرّ أحد أبرز التيّارات السّياسيّة في لبنان، الذي سعى منذ تأسيسه إلى تحقيق رؤية وطنيّة جامعة واضحة تضع مصلحة لبنان وشعبه فوق كلّ إعتبار.
وقد سلك التيّار نهجًا متوازنًا في علاقاته مع الدّول العربيّة والأوروبيّة والغربيّة، واضعًا مصالح لبنان العليا ضمن أولويّاته، مُبتعدًا عن أيّ اصطفاف طائفيّ أو مذهبيّ، ساعياً لتعزيز علاقاته مع الدّول الّتي تشكّل دعامة اقتصاديّة وسياسيّة للبنان.
أولاً: العلاقات مع سوريا
كان التيّار الوطنيّ الحرّ في طليعة القوى الّتي وقفت بوضوح ضدّ السيطرة السورية على لبنان حيث قاد التيّار، بمعيّة مؤسّسه الرئيس العماد ميشال عون، حملة شرسة للمطالبة باستعادة السّيادة اللّبنانيّة الكاملة وإنهاء أيّ وجود أجنبي يؤثّر على القرار الوطنيّ اللّبنانيّ.
وقد كانت معارضة التيّار لهذه السيطرة مبنيّة على رؤية وطنيّة تهدف إلى حماية استقلال لبنان وسيادته، بعيدًا عن أيّ اعتبارات شخصيّة أو مذهبيّة، وانطلاقًا من قناعة راسخة بأنّ لبنان يجب أن يكون سيّد قراره.
فبعد إغتيال الرّئيس رفيق الحريري في ١٤ شباط ٢٠٠٥ وانسحاب القوّات السّوريّة من لبنان بتاريخ ٢٦ نيسان من العام نفسه، اتّخذ التيّار الوطنيّ الحرّ موقفًا متوازنًا تجاه سوريا، معيدًا ترتيب أولويّات العلاقات اللّبنانيّة السّوريّة على أسس نديّة ومصالح مشتركة، رافضاً مغامرات إسقاط النظام في سوريا والتي لا تعكس أي مطلب وطني لبناني سيادي، لا بالعكس تستدرج التدخلات التي كان يشكو منها.
وكان جليًّا أنّ التيّار لم ينقلب على مواقفه المبدئيّة، بل عكس هذا التّغيّر في السّياسة نظرة تكاملية في خطابه تؤكّد على ضرورة الحفاظ على علاقات جيّدة ومتوازنة مع الجوار السّوري، خاصّةً وأنّ الجغرافيا والتّاريخ يربطان بين البلدين بعلاقات لا يمكن تجاهلها.
بالنّسبة للتيّار، كانت مسألة خروج الجيش السّوري من لبنان محطّة تاريخيّة توجب على اللّبنانيّين إعادة النّظر في شكل العلاقة بين البلدين، بناءً على معايير التّعاون على مصالح مشتركة عديدة.
حرص التيّار الوطنيّ الحرّ، منذ اللّحظة الأولى للصّفحة الجديدة في العلاقات، على فصل المسألة السّياديّة الوطنيّة عن أيّ موقف سياسيّ خاصّ. فهو يرى أنّ لبنان بحاجة إلى علاقات جيّدة مع جيرانه، وخاصّةً سوريا، لدوافع استراتيجيّة تتعلّق بأمنه واستقراره الاقتصاديّ والاجتماعيّ.
فسوريا هي نافذة لبنان البرّيّة الوحيدة إلى العالم، ممّا يجعل التّعاون بين البلدين في المسائل الاقتصاديّة والأمنيّة أمرًا ضروريًّا بعيدًا عن التّقلّبات السّياسيّة الدّاخليّة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد ساهمت زيارة الرّئيس عون إلى براد للمشاركة في إحياء يوبيل ١٦٠٠ سنة للقدّيس مار مارون تحت عنوان ” من المشرق إلى الكون ” في إعطاء مسيحيّي الشّرق مزيدًا من الإطمئنان والإعتراف بالآخر واحترام وجوده وتصرّفاته المختلفة في انعكاس لرؤية الدولة المدنية ومن المؤشّرات الإيجابيّة لبناء مستقبل أفضل تحافظ فيه كل الفئات الإجتماعية على وجودها.
من هذا المنطلق، عمل التّيار على تعزيز قنوات التّواصل بين الحكومتين اللّبنانيّة والسّوريّة لتشجيع التّعاون المتبادل، دون التّدخّل في شؤون سوريا الدّاخليّة أو محاولة فرض أيّ تغيير على نظامها. فالتيّار يرى أنّ قرارات كهذه هي شأن داخليّ سوريّ بَحت، ولا يجوز أن يكون للبنان دور فيه، حرصًا على سياسة عدم التّدخل في شؤون الآخرين، خاصّةً في منطقة تعاني من توتّرات وحساسيّات عميقة.
ومن خلال هذا النّهج، سعى التيّار الوطنيّ الحرّ لبناء علاقة استراتيجيّة مع سوريا تقوم على الاحترام المتبادل والتّنسيق بما يخدم مصلحة الشّعبين.
فالتيّار يرفض الدّخول في محاور إقليميّة أو دوليّة ضدّ سوريا أو ضدّ أيّة دولة أخرى، لأنّ ذلك من شأنه أن يعيد لبنان إلى دائرة الصّراع الإقليميّ ويجعله ساحة لتصفية الحسابات. بالتّالي، نأي التيّار بالنّفس على قدر كبير من الأهميّة، مع المحافظة على مصالحه الحيويّة عبر الانفتاح والتّعاون الإيجابيّ والبنّاء.
ثانياً: العلاقات مع الدّول العربيّة والخليجية
تميّزت العلاقات اللّبنانيّة مع الدّول العربيّة والخليجيّة، وفي مقدّمها المملكة العربية السعودية، بعمق تاريخيّ ورؤية مشتركة تربط البلدين في مجالات متعدّدة، تمتدّ من التّعاون الاقتصاديّ إلى التّنسيق السّياسيّ والدّعم الاجتماعيّ.
وتعتبر المملكة من الدّول الّتي كان لها دور كبير في دعم إستقرار لبنان ومساندته في فترات عصيبة، إذ شكّلت على مدار العقود الماضية سندًا للبنان في الأزمات الّتي مرّ بها، سواءً عبر تقديم المساعدات الماليّة أو عبر دعم المبادرات السّياسيّة الّتي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في البلد.
ولا يمكننا أن ننسى أنّ المملكة العربيّة السعودية تلعب دورًا مهمًّا في دعم الاقتصاد اللّبناني، سواء من خلال استثماراتها المباشرة أو من خلال الجاليّة اللّبنانيّة الكبيرة الّتي تعمل وتعيش في المملكة، والّتي تساهم بشكل كبير في الاقتصاد اللّبناني عبر تحويلات ماليّة سنويّة تساعد على تنشيط الأسواق المحليّة وتخفيف حدّة الأزمات الاقتصاديّة.
ومن جهة أخرى، كانت المملكة لسنواتٍ داعمًا أساسيًّا للاقتصاد اللّبناني من خلال إستثمارات مباشرة في قطاعات متنوّعة كالسّياحة والعقارات والخدمات الماليّة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات في الأزمات الكبرى خصوصًا في المراحل الحرجة الّتي عاشها لبنان. ولا ننسى دورها في بناء البنى التّحتيّة وفي مشاريع إعادة الإعمار والبناء.
كما أن الجالية اللّبنانيّة في المملكة تمثّل جسرًا إجتماعيًّا وثقافيًّا قويًّا بين البلدين، ممّا يعزّز التّواصل المستمرّ ويعكس الرّوابط العميقة الّتي تربط الشّعبين اللّبنانيّ والسّعوديّ، ويساهم في توطيد العلاقات الثّنائيّة بما يخدم مصلحة البلدين. وعلى الصّعيد السّياسيّ، لعبت السّعودية أيضًا دورًا مهمًّا فهي لطالما كانت داعمة لوحدة لبنان وسيادته، ولاستقراره ولحمايته من التّدخّلات الخارجيّة الّتي قد تهدّد سيادته ووحدته.
وها هي اليوم، خلال العدوان الّذي بدأ منذ ١٧ أيلول لا تبخل في الدّعم عبر الجسر الجويّ الّذي أقيم على فترة ١٠ أيام من قبل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانيّة.
من هنا يدرك التيّار الوطنيّ الحرّ الدّور الحيويّ الّذي تلعبه المملكة العربيّة السّعودية على الصّعيدين الإقتصادي والإجتماعي في لبنان، ولذلك يسعى إلى تعزيز هذا التّعاون مرتكزًا على الروابط الّتي تجمع بين البلدين.
ثالثًا: العلاقات مع إيران وفئة محدّدة من اللّبنانيّين
ينظر التيّار للدّور الّذي تلعبه إيران على أنها حليف لبعض الأطراف اللّبنانيّة على الرّغم من بعض الاختلافات في تطبيقهم لهذا التّحالف. ومع ذلك، بنى التيّار علاقة متوازنة مع الأطراف الإقليميّة كافّة، بما فيها إيران ويؤكّد على مبدأ الحوار والتّفاهم في القضايا الّتي تهمّ الجميع، مع القوى الإقليمية الوازنة في المنطقة.
هذا النّهج المتوازن يساعد على تهدئة الأجواء الدّاخليّة ويجنّب لبنان، في كثيرٍ من الأحيان، الصّراعات الإقليميّة، مع إبقاء مصلحة لبنان العليا كأولويّة. مع العلم أن التيار لم يتردد في التعبير عن معارضة التدخل الإيراني في حال لم يكن لمصلحة لبنان، كما حصل في المواقف الراهنة.
رابعًا: العلاقات مع الدّول الأوروبيّة
تحمل العلاقات اللّبنانيّة الأوروبيّة بُعدًا تاريخيًّا مهمًّا، حيث تُعتبر فرنسا بمثابة “الأم الحنون” للبنان، فهي لطالما وقفت إلى جانبه في مراحل حسّاسة من تاريخه ودعمت مؤسّساته وساهمت في العديد من المبادرات السّياسيّة والاقتصاديّة. كما يرى التيّار في تعزيز التّعاون مع فرنسا فرصة لمدّ جسور التّعاون الاقتصاديّ والتّربويّ والثّقافيّ، بما يصبّ في مصلحة لبنان. في حين تُشكّل إيطاليا شريكًا اقتصاديًّا وثقافيًّا مهمًّا، نظرًا للعلاقات التّجاريّة الّتي تربطها بلبنان منذ زمن طويل. ويأمل التيّار في استمرار هذه العلاقة كما الاستفادة من الرّوابط بين فرنسا وإيطاليا وبينه لتعزيز التّجارة وللتّعاون في مختلف المجالات.
خامسًا: العلاقات مع الولايات المتّحدة والدّول الغربيّة
تحتلّ الولايات المتّحدة، كدولة كبرى، الموقع الأكبر في العالم، ولها تأثير عميق في السّياسة الإقليميّة والدّوليّة واللّبنانيّة تحديدًا.
من هنا يتابع التّيار بجدّيّة مسألة التّعامل بمرونة مع القوى العالميّة الكبرى، بما فيها الولايات المتحدة، فلا يرى في عدائها ضرورةً، بل يسعى إلى التقاطع معها في القضايا الّتي تحقّق مصلحة لبنان، من دون المساس بالسّيادة اللّبنانيّة على غرار ما حصل في المساهمة في صياغة قرارات لصالح لبنان، ومعارضة تلك التي تؤثر على وجوده ككيام.
بناءً على كلّ ذلك، يتبنّى التيّار نهجًا دبلوماسيًّا يوازن فيه بين علاقاته مع القوى العالميّة وحماية مصلحة لبنان العليا، والحفاظ على مواقف واضحة تدعم استقلاليّة القرار اللّبنانيّ.
ومن هنا يعوّل التّيار على علاقاته مع الولايات المتّحدة الأميريكيّة ويضع آمالاً في تحقيق وقف العدوان والمساهمة في الاستقرار الدّائم بخاصّةٍ في ظلّ وجود لوبي لبناني بارز وواعد يحيط فريق الرئيس الأميريكي المُنتخب دونالد ترامب. فالرّسالة الّتي وجّهها رئيس التيّار النّائب جبران باسيل، للرّئيس ترامب تقصّد أن يُثني فيها على الإلتزامات الّتي تعهّد بها في حملته الإنتخابيّة وتأثيرها الإيجابيّ الكبير على المستويَين الأميريكي والدّولي.
ولا نغفل الرّسالة الّتي وجّهها ترامب إلى الأميريكيّين من أصل لبنانيّ في ٢٦ تشرين الأول، خاصةً لجهة موقفه الواضح بشأن الحفاظ على الشّراكة المتساوية بين جميع اللّبنانيّين وتحقيق “السّلام والإستقرار والرّخاء في الشّرق الأوسط”، وضمان سلامة وأمن شعب لبنان العظيم.
في المحصلة، يبقى التيّار الوطنيّ الحرّ ملتزمًا بمبدأ أنّ مصلحة لبنان العليا هي البوصلة الّتي توجّه سياساته وعلاقاته الخارجيّة، فهو يسعى لتعزيز الشّراكة بكلّ اتّجاهاتها مع الدّول المؤثّرة كافّة، بما يحقّق الخير للشّعب اللّبنانيّ ويسهم في صناعة الاستقرار.
وبذلك، يظلّ التيّار ثابتًا على موقفه السّياديّ، والّذي يضع مصالح لبنان الوطنيّة فوق كلّ اعتبار، مع التّشديد على أهميّة الحوار والتّعاون مع كلّ الأطراف، الإقليميّة والدّوليّة وفي مقدّمتها سوريا والسعودية، إيران والولايات المتحدة. فلكلّ واحدة من هذه الدّول تأثير مباشر ومساهمة كبيرة في دعم الإستقرار في المنطقة والتأثير على مصلحة لبنان.