الأخبار: داني الأمين-
لم تمنع الاعتداءات الإسرائيلية، أول من أمس، والعدد الكبير من الشهداء والجرحى برصاص قوات العدو من تكرار محاولات أبناء القرى الحدودية الدخول الى بلداتهم. منذ ساعات الصباح الأولى أمس، بدأ أبناء بلدات حولا وميس الجبل وعيترون ويارون ومارون الراس بالتجمع في الأماكن التي استطاعوا الوصول إليها، واللافت كان تضاعف الأعداد.
المئات من أبناء حولا، بينهم نساء وأطفال، تجمعوا على بعد حوالي 500 متر من مدخل البلدة الغربي، أي في النقطة التي وصلوا إليها في اليوم الأول، وكانت بانتظارهم آليتان للجيش اللبناني وجرافة صغيرة تابعة لبلدية حولا وسيارتا إسعاف. بعد تنظيم الحشود والانتظار حتى العاشرة صباحاً، تقدّم الجيش والتحقت به الحشود سيراً على الأقدام لمسافة تزيد على 500 متر، قبل أن يتوقفوا بعد التعرّض لإطلاق نار من قوات الاحتلال المتمركزة في أحد الأودية القريبة. انتظر الأهالي طويلاً، بعد ورود أخبار من الجيش بأن استئناف التقدّم سيحصل قريباً.
لكن قوات الاحتلال منعت تقدّم جرافات الجيش، ما أثار ريبة الأهالي.
من قدّموا أبناهم شهداء لتحرير الأرض لن يخافوا من الرصاص والقنابل
عند الواحدة والنصف ظهراً، أطلق جيش العدو رشقات نارية نحو الحشود، ما أدى الى إصابة ثلاثة مدنيين. إيمان رزق، التي حضرت مع أولادها منذ الصباح، تقول إن «سقوط الشهداء زادنا إصراراً على الدخول مجدداً ولن نترك هذا المكان الى أن يتراجع المحتل»، فيما لفت مختار البلدة محمد ياسين إلى أن «إهمال الدولة وتخلّيها عن تحرير أراضينا هي التي جعلت الأهالي يتّكلون على أنفسهم لتحرير الأرض. رغم ذلك، نلتزم اليوم بما يقرّره الجيش اللبناني، ونسير خلفه، ونقول للعدوّ إننا مدنيون، لكننا نحمل دماءنا على أكفنا. والأهالي الذين قدّموا أبناهم شهداء لتحرير الأرض وحمايتها، لن يخافوا من الرصاص والقنابل، وسيبقون هنا الى أن يتم الانسحاب. هذا العدوّ لا ينفع معه سوى المقاومة. هذا حصل عام 2000 وعام 2006 وسيحصل في المستقبل أيضاً».
أبناء ميس: الصبر ينفد
بعد تقدّم أبناء ميس الجبل مئات الأمتار في بلدتهم، أول من أمس، وصولاً الى مقرّ مركز اليونيفل في منطقة المفيلحة من الجهة الغربية، عادوا أمس بأعداد كبيرة من بيروت وصيدا والنبطية وغيرها، ضاقت بهم الطريق الممتد الى قلعة دوبيه. انتظروا ساعات طويلة، بعدما طلب منهم الجيش اللبناني الانتظار الى أن يسمح له بالتقدّم. المحتشدون الذين أملوا بالدخول الى كل أحياء البلدة، استغلوا الفرصة لدخول الحيّ الغربيّ، والتزموا بأوامر الجيش. مريم شقير التي كانت تجمع أطفالها خلفها لمنعهم من الوصول الى ما بعد النقطة التي حدّدها الجيش، أكّدت أنه «لن يطول صبرنا. وعدنا الجيش بالتقدّم، وعلى الدولة تحمّل مسؤولياتها والعمل لتنفيذ القرار الدولي. لن نذهب من هنا قبل ذلك، وإلا سنتجاوز أوامر الجيش وندخل بالقوّة. أولادنا استشهدوا هنا من أجل التحرير، وعلينا أن نسير على خطاهم». واستغرب المختار محمد حمدان تقاعس الدولة في دعم الأهالي لتحرير أراضيهم للوصول الى أرزاقهم، مشيراً الى أن «سكوت الدولة يعرّض ما تبقى من مساكن وأرزاق للتدمير، بعدما فاقت نسبة تدمير المنازل 70%، ودمرت جميع المحال التجارية». ولفت إلى أن «أبناء البلدة بدأوا يخططون لشراء مساكن جاهزة، وعلى الجيش أن يعي أننا لا نستطيع الانتظار طويلاً».
يارون: تحرير جزئي
في يارون، انقسم المحتشدون بين مدخلَي البلدة من جهتَي رميش وبنت جبيل، وتمكّن عدد من أبناء البلدة من الدخول إليها. يقول حسن تحفة: «وصلنا الى وسط البلدة سيراً على الأقدام، وتجوّلنا في الأحياء، لكننا فوجئنا بتقدم جنود العدوّ نحونا فتراجعنا الى الخلف». وأوضح رئيس البلدية علي تحفة أن «الأهالي استطاعوا تحرير جزء من البلدة، فدخلوا الحيّ الغربي، وبعضهم وصلوا الى منازلهم»، مشيراً إلى أن «عدد المقيمين في البلدة قليل جداً بسبب التهجير المستمر، وكان بين القادمين الى البلدة عدد من أهالي الشهداء من خارج المنطقة ممن شاركوا في الضغط لتحرير البلدة».
وأضاف أن البلدية ستستخدم الآليات بالتنسيق مع الجيش اللبناني الذي استحدث موقعاً له في الجهة الغربية من البلدة بهدف الدخول الى الأحياء الأخرى، منتقداً صمت الحكومة على تمديد العدو لاحتلاله، ومتسائلاً ما «إذا كانت الدولة تعتبر أبناء الجنوب لبنانيين من الدرجة الثانية؟».
في عيترون، من جهة بنت جبيل، وصل الأهالي الى جزء من أراضي البلدة، وعملت البلدية على تجهيز الآليات للدخول مع الأهالي الى وسط البلدة بعد وعود من الجيش اللبناني بالتقدّم. لكن العدوّ عمد الى إطلاق النار أكثر من مرّة، ما حال دون التقدّم. ولفت ابن البلدة مصطفى مواسي الى أن «الأهالي باتوا يستطيعون الدخول الى عدد من المنازل القريبة من بنت جبيل، لكنهم لا يستطيعون الانتظار، وخصوصاً بعد صمت المسؤولين على تخطّي العدوّ لمهلة الستين يوماً. فالأهالي من المزارعين الذين فقدوا ثلاثة مواسم زراعية، لا يمكنهم العيش خارج أراضيهم، والموت أفضل لهم من بقاء الاحتلال من دون أن يفعلوا شيئاً، لأن كل يوم يمرّ يعمل العدوّ فيه على جرف ما تبقى من الأشجار والبيوت والممتلكات».
فرق «مكافحة شغب» إسرائيلية على الحدود
في اليوم الثاني لتوافد أهالي القرى والبلدات إلى المنطقة الحدودية لتحرير قراهم، أبدى جيش العدوّ تعنّتاً واضحاً في بلدات محددة، مثل يارون وعيترون وميس الجبل وحولا وصولاً إلى مركبا وكفركلا. ومن الواضح أن العدو ينوي التمسّك بالسيطرة على القرى المتاخمة للحدود في القطاع الشرقي، وهو كان قد أبلغ ذلك لقوات اليونيفل الدولية، مؤكداً أنه لن يسحب قواته من القطاع الشرقي تحت الضغط.
واستقدم العدو جنوداً من «حرس الحدود» الذين يقومون بأعمال «مكافحة الشغب» إلى الحدود مع فلسطين المحتلة، من جهة بلدة كفركلا، في ما يبدو وكأنه يتحضّر لاشتباكات محتملة مع الأهالي، ويريد مواجهتهم بأساليب مكافحة الشغب، كما يجري داخل فلسطين المحتلة.
وقال الناطق باسم الحكومة الإسرائيلية، أمس، إن إسرائيل «ترفض إعادة انتشار قوات حزب الله على حدودنا»، وإن «الحزب وأسلحته لا يزالون على حدودنا»، فيما لوحظ أن الإعلام الإسرائيلي لم يُبدِ اهتماماً كبيراً بما يجري في الجنوب، مقابل التركيز على قطاع غزة وتبادل الأسرى.