الأخبار: معرض «إعادة الإعمار» بغياب الشرع: بحث عن مستثمرين وسط الفوضى

الأخبار: عامر علي-

ينعقد «معرض إعادة الإعمار» في دمشق بغياب الشرع، ليكرّس نهج الترويج الدعائي للاستثمارات في ظلّ حالة فلتان أمني مستمرة.

في وقت لا تزال فيه سوريا تعيش أوضاعاً أمنية واقتصادية هشّة للغاية، على وقع استمرار حالة الفلتان الأمني وعمليات القتل على خلفيات طائفية في مناطق متفرّقة من البلاد، والتوتّر العسكري والسياسي شمال شرق البلاد وجنوبها، وعدم وجود أرضية حقيقية يمكن البناء عليها لاستقطاب الاستثمارات، يحتضن معرض دمشق الدولي فعّاليات «معرض إعادة إعمار سوريا». ويستمرّ هذا المعرض حتى السبت المقبل، وسط مشاركة خجولة وحضور رسمي سوري اقتصر على وزير الأشغال العامة والإسكان، مصطفى عبد الرزاق، على عكس الفعّاليات الاستثمارية السابقة التي شهدت حضوراً من الرئيس الانتقالي، أحمد الشرع.

 

المعرض، الذي قال وزير الأشغال، إنه يضمّ 260 شركة من 23 دولة، ويركّز على قطاعات الطاقة والصناعة والإنشاءات والبنى التحتية، تزامن مع مشاركة الشرع في مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» الذي تنظّمه السعودية، في محاولة لجذب مستثمرين إلى السوق السورية، بما يتّسق مع السياسة الاقتصادية التي يحاول تبنّيها، والتي تقوم بشكل أساسي على محاولة تحقيق قفزات اقتصادية سريعة قد تساهم في «تبريد» الملفات الساخنة الأخرى.

 

وبالتوازي مع انطلاق المعرض، بدا لافتاً إعلان وزارة الكهرباء عن رفع لأسعار التيار الكهربائي، للاشتراكات المنزلية والصناعية، وفق نظام شرائح. تبدأ الشريحة الأولى المخصّصة لذوي الدخل المحدود الذين لا يتجاوز استهلاكهم 300 كيلوواط خلال دورة شهرين، بسعر 600 ليرة سورية للكيلوواط الواحد، مدعومة بنسبة 60% من سعر الكلفة، بحسب وزارة الطاقة.

 

أمّا الشريحة الثانية، وتشمل ذوي الدخل المتوسط والمرتفع والمشاريع الصغيرة، والتي يتجاوز استهلاكها 300 كيلوواط خلال الفترة نفسها، فيبلغ سعر الكيلوواط فيها 1400 ليرة.

 

وبيّنت الوزارة أن الشريحة الثالثة تشمل المشتركين المعفيّين من التقنين، من مثل المؤسسات الحكومية والشركات والمصانع التي تحتاج إلى تغذية مستمرّة – يبلغ سعر الكيلوواط فيها 1700 ليرة، فيما ترتفع التسعيرة في الشريحة الرابعة، الخاصة بالمعامل الكثيفة الاستهلاك من مثل معامل الصهر وغيرها، إلى 1800 ليرة للكيلوواط.

 

رفعت الحكومة أسعار التيار الكهربائي، متجاهلةً وعوداً سابقة أطلقتها حول رفع عدد ساعات التغذية

وإذ برّرت الوزارة الرفع بأنه يهدف إلى «إصلاح منظومة الكهرباء»، فإنها تجاهلت وعوداً سابقة أطلقتها حول رفع عدد ساعات وصل التيار الكهربائي، خصوصاً بعد فشل تجربة استيراد الغاز من أذربيجان عبر تركيا، الأمر الذي تسبّب بأعطال فنيّة متكرّرة في الشبكة السورية. كما تجاهلت الوزارة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المترتّبة على هذا الرفع، خصوصاً بالنسبة إلى العائلات، في ظلّ بطالة مرتفعة تقدّرها بعض المصادر بنحو 80%، خصوصاً بعد فصل أعداد كبيرة من موظّفي الدولة، وهو أمر من المُنتظر أن تتضح آثاره بعد تطبيق التعرفة الجديدة.

 

وبعيداً عن التفاصيل التقنية، يثير تنظيم المعرض، الذي لم تتضح نتائجه بعد، أسئلة كثيرة حول أسباب إقامته أصلاً، في ظل اعتماد السلطات الانتقالية على العلاقات الشخصية في توقيع العقود الاستثمارية، إذ شهدت حلب، بعيداً عن أجواء المعرض، توقيع اتفاقية بين شركتين تركيتين وأخرى سورية، بدعم من مكتب سوريا التابع لـ«مجلس المصدّرين الأتراك» (TİM)، وبحضور رسمي، بهدف فتح الباب أمام الشركات التركية للعب «دور محوري في عمليات إعادة الإعمار»، بحسب رئيس المكتب جلال كاد أوغلو.

 

على أن تكرار هذا النوع من الاتفاقيات قد تحوّل إلى نمط لدى السلطات الانتقالية، والتي تعتمد على شركات مقرّبة منها أو على شخصيات «موثوقة» لتوقيع اتفاقيات بعضها يكون مجرد حبر على ورق، على غرار ما حصل في المؤتمرين الاستثماريين السعودي والقطري السابقين، إذ تبيّن، بعد الإعلان عن استثمارات مليارية، أن عدداً كبيراً من الشركات الموقّعة على الاتفاقيات وهمية، وأن تلك العقود لم تتعدّ كونها مجرد تفاهمات أولية غير مُلزمة استُخدمت في سياق دعائي لا أكثر، من دون تنفيذ فعلي لأيّ مشروع، في ظلّ عدم توافر الظروف الملائمة على الأرض، جراء استمرار الحالة الفصائلية التي تحكم سوريا والتي جرى تقسيم مدنها إلى مناطق نفوذ تحت قيادة «أمراء» أو «شيوخ».

 

وعلى أيّ حال، يمثّل خليط الفوضى الحالي الذي تعيشه سوريا وصفة مثالية بالنسبة إلى عدد كبير من «أمراء الحرب»، الذين يسيرون على خطى «أمراء سابقين» في عهد النظام السابق، عن طريق القبض على ما يمكن القبض عليه من موارد واستثمارات.

 

ويأتي هذا في وقت يلعب فيه القصر الرئاسي دوراً محورياً عن طريق «صندوق التنمية السوري» الذي أطلقه الشرع في تموز الماضي، في إطار ترسيخ منظومة الحكم القائمة، والتي تولي اهتماماً كبيراً للدعاية التي تتكفّل بها المؤتمرات ومعارض الاستثمار والتفاهمات المليارية المناسبة للاستهلاك الإعلامي.

You might also like