الأخبار: «مجزرة التشكيلات القضائية»: العدالة بحاجة إلى عدالة!

الأخبار: لينا فخر الدين-

حملت التشكيلات القضائية عاصفة من الاعتراضات داخل الجسم القضائي، وسط اتهامات بـ«المحاصصة السياسية» و«تصفية الحسابات» على حساب الكفاءات والنزاهة

بعد أشهر من انكباب مجلس القضاء الأعلى على إعداد مشروع التشكيلات، وسنوات طويلة من تعطيلها، تمخّض جبل المجلس فولد «مناقلات سياسية» أُقِرّت أمس رسمياً بعدما وقّعها رئيس الجمهورية جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام والوزراء المعنيّون.

 

وأثارت هذه التشكيلات جواً من الغضب بين كثير من القضاة الذين اعتبروها «الأسوأ في تاريخ القضاء»، لكونها تضمّنت الكثير من المحاصصات السياسية والاعتبارات الشخصيّة والصداقات مع المرجعيات السياسية والقضائية، في مقابل اعتماد سياسات ثأرية من بعض القضاة.

 

وأشار هؤلاء إلى أنّ حصة الأسد كانت لرئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود وحزب الكتائب، بعد تدخّلات مباشرة من وزير العدل عادل نصار، وبدرجة أقل لحزب القوات اللبنانية وفريق رئيس الجمهورية، فيما تمكّن رئيس مجلس النواب نبيه بري من أن يظفر بالجزء الأكبر من «الكوتا الشيعية».

 

كلّ ذلك يؤكّد أن ما قيل عن شفافية في المناقلات ومعايير وظيفية، واعتماد الأقدمية والدرجات بعيداً عن الأهواء السياسية والشخصنة، كان في الهواء. وصارت العدالة فعلاً بحاجة إلى عدالة، وإن كان العديد من القضاة، ومنهم المحسوبون على مرجعيات سياسية، يمتلكون كفاءة عالية.
ووصف عدد من القضاة هذه التشكيلات بأنّها «مجزرة موصوفة بحق العديد من القضاة المشهود بكفاءتهم ونظافة كفّهم وإنتاجيّتهم في العمل خلال الأزمات المتلاحقة»، معتبرين أنّ الهدف منها تصفية حسابات مع غير المقرّبين من مراكز القرار والأحزاب المسيطرة، إضافةً إلى «تكسير رؤوس» بعض الذين خاضوا ملفات كبرى من دون مراعاة المرجعيات السياسية.

 

وكانت النتيجة، بحسب هؤلاء، أن بعض «الجوائز» في المناصب أُعطيت لمقرّبين من عبود والمرجعيات القضائية السياسية وبعض الأحزاب، بغضّ النظر عن إنتاجيتهم أو الشبهات المسلكية حول مسيرتهم، فيما حُرم قضاة كانوا يدفعون من جيوبهم لتأمين مستلزمات قصور العدل والتنقّل بين الأقضية، إضافةً إلى مداومتهم في هيئات من دون وجود مستشارين أو الحد الأدنى من مقوّمات العمل (كهرباء، نظافة، قرطاسية…).

 

قضاة ينوون تقديم استقالاتهم أو التقدّم لإجازات غير مدفوعة

ويشير هؤلاء إلى أن نظرة سريعة على غالبية الأسماء في النيابات العامة أو قضاة التحقيق في المناطق أو المحكمة العسكرية، تكفي لتخمين المرجعية السياسية التي زكّت كل اسم، ولا سيما في ظل الفروقات الشاسعة بين مواقع بعض القضاة في المسوّدة التي أعدّها المجلس قبل سنوات والتشكيلات الحالية.

 

ولفتوا إلى أنّ الظلم الأكبر لحق بالقضاة المحسوبين على التيار الوطني الحر (بعضهم تمكّن من الحصول على مراكز عبر التقرّب من رجالات العهد الجديد والتنصّل من قربه من التيار) وتيار المستقبل (الذي اكتفى بعدد محدود من المراكز) وحزب الله، علماً أنّ بعض هؤلاء ليسوا محسوبين مباشرة على هذه الأحزاب، وإنما تمّت تزكيتهم من قبل مرجعياتهم قبل سنوات.

 

الأمثلة على هذا الظلم كثيرة: قاضية حائزة على 17 درجة أُسند إليها منصب قاضية منفردة في أحد الأقضية، فيما زملاء دورتها أصبحوا رؤساء بداية أو استئناف.

 

وقاضٍ آخر بات مستشاراً في إحدى الهيئات، بينما زملاؤه تولّوا مراكز عليا. وقاضية معروفة بنزاهتها صارت رئيسة استئناف في إحدى المناطق، وقاضٍ اعتبر أن مجلس القضاء «يعاقبه» بنقله إلى قضاء بعيد لأنه غير مقرّب من عبود.

 

وهناك أيضاً قاضٍ أُقصي عن المراكز بسبب خلاف مع مرجعيته الدينية، وقاضية خدمت 12 عاماً في محكمة نائية ونجحت في تسييرها وحدها، فـ«كوفئت» بتعيينها مستشارة في إحدى الهيئات، من دون أن تُمنح منصباً في المحافظة نفسها.

 

الأمر نفسه حصل مع قاضٍ سيّر أعمال محكمة وحده 8 سنوات من دون مستشارين، وشُكّل مستشاراً في التمييز رغم أن درجته أعلى من كثيرين تسلّموا مراكز أرفع.

 

هذا الواقع دفع ببعض القضاة الذين يعتبرون أنفسهم مظلومين في التشكيلات الأخيرة إلى التفكير في تقديم استقالاتهم أو الحصول على إجازة غير مدفوعة لمدة 6 أشهر، بما يتيح انتداب قضاة آخرين مكانهم على أمل أن تؤدّي هذه المدة إلى تكليفهم بمراكز أخرى. كما يدرس بعض القضاة، الذين انتقلوا من القضاء المدني إلى الجزائي بموجب التشكيلات، خيار الاستقالة أيضاً.

 

ولم تأخذ التشكيلات في الاعتبار البعد المكاني بين أماكن سكن القضاة والمراكز التي تسلّموها، وهو ما وصفوه بـ«ظلم ما بعده ظلم»، خصوصاً في ظل ضآلة قيمة بدل النقل الذي يتقاضونه.

You might also like