الأخبار: سوريا تقترب من حافة «الفتنة»

الأخبار: بعد أكثر من ثلاثة أسابيع على فترة هدوء حذر، تخلّلتها محاولات لجسّ النبض والتعرّف على التغيّرات الجديدة في هيكلية الحكم السورية، إثر سقوط نظام بشار الأسد، وصعود «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) إلى السلطة، بدأت المدن السورية تشهد حالات انفلات أمني وارتفاع ملحوظ في نبرة الخطاب الطائفي. ووصل هذا الخطاب إلى ذروته خلال اليومين الماضيين، بعد اندلاع مواجهات مسلحة مع «إدارة العمليات العسكرية»، وخروج تظاهرات لأبناء الطائفة العلوية، التي تعدّ ثاني أكبر طائفة في سوريا بعد الطائفة السنية.

 

وخرجت التظاهرات على خلفية انتشار تسجيل مصوّر يظهر عملية اعتداء على مقام ديني علوي في حلب (مقام الشيخ أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي)، قبل أن يتبيّن في ما بعد أن الاعتداء حصل قبل نحو 20 يوماً، خلال دخول الفصائل إلى حلب، وما رافقه من حالة فوضى حينها، قبل أن يتمّ ضبط الأمور.

وعلى الرغم من رفع المتظاهرين، الذين خرجوا في طرطوس وحمص واللاذقية وريف حماة وبعض أحياء دمشق، شعارات تندّد بالاعتداء الذي تعرّض له المقام، أظهرت الأحداث التي رافقت هذه التظاهرات وما تبعها، أن مجموعة كبيرة من العوامل لعبت دوراً كبيراً في تحريك الشارع. ولعلّ أول تلك العوامل هو انتماء بشار الأسد إلى الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها أيضاً عدد من الضباط المتهمين بارتكاب مجازر في سوريا. أما العامل الرئيسيّ الثاني، فهو المخاوف من مقاتلي «الهيئة»، وتاريخهم الدموي بحقّ أبناء الطائفة في كل من ريف اللاذقية (مجازر ريف اللاذقية عام 2013)، وعدرا العمالية قرب دمشق (عام 2013)، ومئات الجرائم الأخرى الموثقة، وعلى رأسها عمليات على خلفية طائفية.

 

وإلى جانب المخاوف المتقابلة بين الطرفين، لعب وجود مسلحين غير سوريين (من جنسيات مختلفة) في صفوف «هيئة تحرير الشام»، دوراً مهماً في زيادة حدة تلك الهواجس، وخصوصاً بعد ظهور أعمال انتقامية في حمص وطرطوس واللاذقية وريف حماة.

 

ومع ارتفاع حدّة التظاهرات، التي تزامنت مع عمليات أمنية أعلنت عنها «إدارة العمليات العسكرية» للقبض على من سمّتهم «فلول النظام السابق»، في إشارة إلى شخصيات متهمة بارتكاب الجرائم، ذهبت الأوضاع على الأرض إلى حدود غير مسبوقة، إذ سجّلت مواجهات مسلحة قتل خلالها عشرات الأشخاص من الطرفين (تعرّض موكب لإدارة العمليات العسكرية لكمين في ريف طرطوس، وشهدت حمص واللاذقية وطرطوس وريف حماة إطلاق نار كثيف)، وسط اتهامات بوجود أطراف خارجية تحاول إشعال فتنة طائفية في سوريا.

وأمام الانفلات الأمني، وازدياد شراسة المواجهات، وفي محاولة لضبط الأوضاع فرضت «إدارة العمليات العسكرية» حظر تجول في عدد من المدن السورية، وعلى رأسها اللاذقية وطرطوس. كما قامت بإرسال تعزيزات عسكرية إلى بعض المناطق، بالتوازي مع توسيع دائرة الاتصال مع الوجهاء وشيوخ الطائفة العلوية، الأمر الذي أثمر – حتى الآن – تهدئة أزاحت شبح الحرب الطائفية الذي كان يلوح بالأفق.

وخلال الساعات الماضية، كثّف مسؤولو «إدارة العمليات العسكرية» لقاءاتهم مع الفعاليات الأهلية، وقدموا تطمينات عديدة، وفق مصادر تحدثت إلى «الأخبار»، موضحة أن من بين تلك التطمينات إبعاد المسلحين غير السوريين من المدن، ومحاسبة من ارتكب منهم أيّ جرم، بالإضافة إلى تنشيط عملية إعادة هيكلة وزارة الدفاع لنشر الشرطة وإبعاد المسلحين إلى خارج المدن بشكل نهائي، في خطوة من المفترض أن تتبعها عملية حل الفصائل والبدء بتشكيل وزارة الدفاع. كذلك، أصدرت وزارة الإعلام بياناً أعلنت فيه منع استعمال أيّ خبر أو محتوى أو لفظ طائفي، وسط تهديد بعقوبات صارمة.

وتكشف المواجهات الأخيرة، برغم تراجع حدّتها، عن هشاشة كبيرة في الثقة بين الطرفين، قد تنذر بانزلاق جديد، في ظل الانتشار الكبير للسلاح، ووجود أطراف عديدة مستفيدة من الفوضى (من كلا الطرفين)، واستمرار المخاوف وتفاقمها مع إحكام «الهيئة» سيطرتها على السلطة، وبعض الأحقاد التاريخية، بالإضافة إلى اقتصار ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم على أتباع النظام السابق فقط، والتغاضي عن وجود متهمين بارتكاب الجرائم في صفوف «الإدارة». ويقتضي هذا الأمر، وفقاً لمراقبين، وضع أساس واضح للمحاسبة، والإسراع في العملية السياسية، بالإضافة إلى منع حالات الانتقام الفردية، أو الاعتقال المهين، والتعجيل في تأهيل وزارة العدل التي من المفترض أن تتم محاكمة المتهمين من خلالها، وإلّا فإن ما جرى خلال اليومين الماضيين قد يعود إلى السطح مرة أخرى.

You might also like