الأخبار: توطين الفلسطينيين: «الأونروا» متواطئة… ولبنان الرسمي غائب

الأخبار: إبراهيم مرعي-

في السنوات الأخيرة، تصاعد التوتر بشكل ملحوظ بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان و«الأونروا».

 

هذا التوتر لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة نهج تقليص الخدمات الذي اعتمدته الوكالة، وانعكس على اللاجئين في لبنان وأولئك القادمين من سوريا.

 

ردود الفعل الفلسطينية لم تتأخّر، إذ نظّمت الفصائل واللجان الشعبية والمؤسسات الأهلية سلسلة احتجاجات شملت إغلاق المقر الرئيسي لـ«الأونروا» في بيروت، ومكاتبها في المناطق والمخيمات، إلى جانب اعتصامات طالبيّة ونقابية ونسائية.

 

كما صدرت بيانات ومذكّرات متعددة تندّد بتراجع الخدمات وتحذّر من تداعياته على حياة اللاجئين. والانتقادات تركّزت على: التقليص الحادّ في الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية، تجاهل صوت اللاجئين ومطالبهم، غياب التنسيق مع الفصائل الفلسطينية في البرامج والمشاريع، إضافةً إلى التناقض بين ادّعاءات الوكالة بالالتزام بالمعايير الدولية والواقع الميداني الذي يعاكس ذلك.

 

أرقام صادمة

تؤكّد المؤشّرات الميدانية هذا التراجع:

– عدد المدارس انخفض خلال 15 عاماً من 87 إلى 60 مدرسة.

– تمّ هذا العام فقط إغلاق 88 شعبة صفية وشطب 100 معلم مياوم.

– عدد الموظفين الثابتين تراجع من 3,545 في عام 2022 إلى 2,834 في العام الجاري.

– الموازنة في لبنان انخفضت من 200 مليون دولار في عام 2023 إلى 165 مليوناً حالياً، مع العلم أن إدارة «الأونروا» في لبنان لا تصرف كامل الموازنة.

– تقلّصت الخدمات الصحية، بما في ذلك الأدوية وأدوية الأمراض المزمنة وتغطية العمليات الجراحية وأيام الاستشفاء والمساعدات الاجتماعية والإغاثية.

– إغلاق بعض المراكز الصحية مثل عيادة النبطية.

هذا التراجع يتناقض مع نتائج دراسة نفّذتها «الأونروا» بالتعاون مع «الجامعة الأميركية في بيروت» قبل ثلاث سنوات، والتي أظهرت أن 95% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر، ما يعني أنهم في حاجة ماسة إلى الخدمات التي يجري تقليصها.

 

خلفيات سياسية

خطوات «الأونروا» مرتبطة بجملة من التطورات الدولية والإقليمية، أبرزها:

– تراجع الدعم الدولي للوكالة.

– التوجه الأميركي لإنهاء عمل «الأونروا».

– تشريعات إسرائيلية لإنهاء وجود «الأونروا» في القدس والضفة وغزة.

– سعي دولي للتخلص من قضية اللاجئين وإسقاط حق العودة.

 

– صمت المجتمع الدولي على استهداف إسرائيل لمقرات «الأونروا» وموظفيها في غزة، حيث دُمّر أكثر من 300 مركز وقُتل 250 موظفاً.
وفي لبنان، يبرز سلوك مديرة الوكالة دوروثي كلاوس كجزء من هذا المخطط الدولي، إذ تتماهى سياساتها مع مخطط تصفية دور «الأونروا». ويهدّد ذلك بانعكاسات مباشرة وخطرة: بروز أزمات إنسانية واجتماعية متفاقمة، خلل في الأمن الاجتماعي داخل المخيمات بما يهدّد الاستقرار اللبناني، عدا تعريض المجتمع الفلسطيني لمشاريع التوطين نتيجة تراجع الدعم الدولي.

 

أظهرت دراسة سابقة أن 95% من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر

في المقابل، تبدو السيناريوهات المطروحة أمام لبنان مقلقة، وهي تتأرجح بين الإنهاء المفاجئ لعمل «الأونروا» وتحميل مسؤولياتها للدولة اللبنانية، والتقليص التدريجي للخدمات مع نقلها إلى الوزارات اللبنانية (الصحة، التربية وغيرهما) بتمويل دولي مؤقّت وغير مضمون.

 

كل هذه التطورات تتعارض مع الدستور اللبناني وثوابته الوطنية، وقد تقود إلى اتهام لبنان بالتماهي مع المطالب الإسرائيلية والتفريط في حق العودة. الأخطر أنها قد تحوّل قضية اللاجئين من ملف دولي إلى أزمة لبنانية داخلية تهدّد التوازنات الوطنية والطائفية.

 

ولعلّ أبرز دليل على هذه المخاوف ما قالته المفوّضة الأوروبية لشؤون المتوسط، دوبرافكا زويكا، بعد لقائها المفوّض العام لـ«الأونروا»، فيليب لازاريني: «ناقشنا كيف يمكن تسليم بعض عمل الأونروا تدريجياً للسلطة الفلسطينية». ما يعني أن عملية تصفية دور الوكالة ونقل مهامها إلى الحكومات المضيفة بدأت فعلياً.

 

يبقى السؤال الكبير: لماذا يصمت لبنان الرسمي إزاء هذا المخطط، رغم أنه سيكون المتضرّر الأول سياسياً وأمنياً واجتماعياً؟ إن تجاهل هذه المؤشّرات قد يضع لبنان في مواجهة مباشرة مع أخطر ملف في تاريخه الحديث: ملف توطين اللاجئين الفلسطينيين.

*خبير في قضايا وكالة «الأونروا»

You might also like