الأخبار: تهريب الترسيم مع قبرص على عين الدستور والنواب!

الأخبار: ندى أيوب-

في إصرار مريب على تهريب اتفاقية الترسيم البحري مع قبرص، بعيداً عن مجلس النواب، ورغم المخالفات الدستورية التي تشوبها، وآراء الخبراء التي تؤكد الإجحاف الذي تُلحِقه بلبنان، ما يؤدّي إلى خسارته آلاف الكيلومترات من مياهه الاقتصادية الخالصة، كلّف مجلس الوزراء وزير الأشغال فايز رسامني بتوقيع الاتفاقية مع نظيره القبرصي. وسيحضر التوقيع رئيس الجمهورية جوزيف عون، شاهداً على المخالفة الدستورية، إلى جانب الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس الذي يزور بيروت لهذه الغاية.

 

وعليه، فإن الكرة الآن في ملعب مجلس النواب لوقف هذا التفريط في السيادة، ومنع «حكومة التنازلات» من مزيد من التنازل. وفي هذا السياق، أكّد رئيس لجنة الأشغال النيابية، النائب سجيع عطيّة، أنّ اللجنة أوصت، «بعد اجتماع مع خبراء أجانب ومحليين، بوجوب التريّث في توقيع الاتفاقية، لمزيد من البحث، وأبلغت الحكومة بذلك»، لافتاً إلى أنّ «خبر التوقيع شكّل مفاجأة»، مشدّداً على وجوب إبرام الاتفاقية في مجلس النواب. فيما قال عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي حسن خليل لـ«الأخبار»، إنّه «بناءً على التشاور مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، سأقدّم سؤالاً إلى الحكومة، حول قانونية توقيع الاتفاقية من جانب السلطة التنفيذية وحدها، والقفز فوق موافقة مجلس النواب، انطلاقاً من أنّ هذا النوع من المعاهدات الطويلة الأمد التي لا تُفسخ سنة فسنة، يلزمها قطعاً إبرام برلماني».

 

وكان مجلس الوزراء وافق الخميس الماضي على مشروع الاتفاق، وفوّض رسامني بالتوقيع، استناداً إلى استشارة لهيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل (الرقم 2025/1751 تاريخ 2025/8/28)، استخلصت منها بأنه «يعود لمجلس الوزراء وحده إبرام الاتفاقية عملاً بالمادة 65 من الدستور». وهو استناد خاطئ فيه تحوير للاستشارة. فبحسب خبراء دستوريين، «الاستشارة لم تُناقش صلاحية الإبرام النهائي، وما إذا كانت لمجلس النواب أو لمجلس الوزراء، وإنما كانت متّجهة لناحية حسم مسألة توقيع الاتفاقية، معلنة أنها صلاحية رئيس الجمهورية بعد الإبرام الابتدائي في مجلس النواب».

 

وهذا واضح في متن الاستشارة التي نصّت على أن «مشروع الاتفاق بين لبنان وقبرص، يُعدّ معاهدة دولية بمفهوم المادتين 52 و65 من الدستور، وأن رئيس الجمهورية هو الجهة المختصّة بالتوقيع».

 

لكنّ الحكومة تمسّكت حصراً بما ورد في الاستشارة حول صلاحية مجلس الوزراء في إبرام الاتفاقيات الدولية بغالبية الثلثين (المادة 65 من الدستور)، وقرّرت تطبيقها على هذه الاتفاقية التي تحتاج إلى إبرام نهائي في مجلس النواب. كذلك تجاهلت الحكومة فقرة من الاستشارة نفسها تؤكّد أن المعاهدة «لا يجوز فسخها سنة فسنة»، ما يستوجب عرضها على مجلس النواب، وفق المادة 52 من الدستور التي تنص على أنّ «المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلّق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، لا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». كذلك تجاهل قرار مجلس الوزراء إفادة وزارة الخارجية بأن الاتفاقية «من المعاهدات التي تستوجب موافقة مجلس النواب قبل الإبرام»!

 

سؤال من «كتلة التنمية والتحرير» للحكومة حول قانونية توقيع الاتفاقية والقفز فوق موافقة مجلس النواب

واللافت أن اللجنة التقنية التي شكّلها لبنان لترسيم الحدود البحرية مع قبرص برئاسة رسامني في تموز الماضي، استبعدت من عضويتها كلّ الخبراء الذين يدعون إلى تعديل اتفاقية 2007 التي عقدتها حكومة السنيورة ولم يبرمها مجلس النواب، وأنجزت بسرعة صاروخية الترسيم. كما تجاهلت توصيات لجنة مماثلة شكّلتها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2022 برئاسة وزير الأشغال السابق علي حمية، بـ«إجراء التعديلات اللازمة على الاتفاقية المُجحِفة بحق لبنان، وبالطلب من الجيش اللبناني اعتماد آلية ترسيم جديدة استناداً إلى اجتهادات قضائية في قضايا مشابهة في العالم، وتسجيل الإحداثيات الجديدة لدى الأمم المتحدة وإعادة التفاوض مع قبرص. وفي حالِ فشلِ المفاوضات، يُرفع النزاع أمام المراجع القضائية والتحكيمية المختصة».

 

مصادر قانونية اعتبرت أن توقيع رسامني للمعاهدة من دون إبرامها في مجلس النواب «لا قيمة له، وسيجعلها وكأنها لم تكن، ولن يكون مصيرها أفضل من مصير اتفاقية 2007، لأن الإبرام شرطه العرض على مجلس النواب»، مشيرة إلى أن ما ستُقدِم عليه الحكومة «افتئات على مجلس النواب وعلى السلطة التشريعية وقابل للطعن حتماً، عبر كل المواقع الممكنة». ولفتت إلى إمكانية ملاحقة وزير الأشغال عبر ديوان المحاسبة تحت عنوان تضييع حقوق لبنان، إذ إن للديوان، وفق قانونه، ثلاث صلاحيات أساسية:

 

1- الرقابة المُسبقة واللاحقة على كل عمل يترتّب عنه أثر مالي على الخزينة، بما في ذلك أي عمل وزاري يؤدّي إلى خسارة مالية، وضياع حقوق للدولة، وتنازل عن إيرادات، أو مخالفة لإجراءات موجبة قانوناً.

 

2- محاكمة الموظفين والوزراء (المسؤولين عن المال العام) وفرض غرامات، وتحميل المسؤولية لأي وزير إذا ثبت أنه اتّخذ قراراً أو وقّع اتفاقاً سبّب خسارة مالية كما في سابقة وزراء الاتصالات.

3- صلاحية تحريك النيابة العامة لدى الديوان لفتح تحقيق واستدعاء أيّ وزير عند الشبهة بوجود ضرر مالي عام.

وفي ملف الترسيم مع قبرص، هناك احتمالان يفتحان الطريق أمام تدخّل الديوان:

1) إذا ثبت أن الاتفاقية هي «معاهدة» تمسّ بحقوق مالية للدولة، وأن توقيعها قبل عرضها على مجلس النواب خالف المادة 52 من الدستور، ما يشكّل مخالفة إجرائية مؤدّية إلى ضرر مالي.

 

2) ثبوت خسارة مالية واضحة ناتجة من الترسيم إذا قدّم خبراء أو جهة رسمية أرقاماً تُظهِر أن الاتفاقية حرمت لبنان مساحة بحرية نفطية، أو أخرجت بلوكات/ مكامن محتملة من مساحته، أو خفّضت الإيرادات المستقبلية للدولة.

 

ويمكن لرئيس مجلس النواب، أو رئيس الحكومة، أو وزير المالية، أو أيّ نائب، أو ديوان المحاسبة من تلقاء نفسه (استناداً إلى المادة 19 من قانونه) التقدّم بطلب رسمي لفتح النيابة العامة تحقيقاً، واستدعاء الوزير.

 

وفي حال اكتشف الديوان شبهة جرم جزائي (اختلاس، إهمال جسيم، استغلال منصب)، يحيل الملف إلى النيابة العامة التمييزية، أو النيابة العامة المالية، أو إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

You might also like