الأخبار: تطهير طائفي معلَن في الساحل السوري

الأخبار: المشرق العربي-

يتابع الساحل السوري نزيفه الذي انفجر في السادس من آذار الحالي، على وقع هجمات دامية تنفذها فصائل «جهادية» ومجموعات من المفترض أنها تتبع لـ«الجيش السوري» الجديد، بعد قرار حلّ الفصائل.

 

ويأتي ذلك في سياق ما تقول الإدارة الجديدة بقيادة أحمد الشرع، إنه «مطاردة الفلول»، في إشارة إلى مجموعات تقودها شخصيات مرتبطة بالنظام السابق، تبنّت شن هجمات على قوى أمنية، في حين تُظهر تسجيلات مصوّرة، ينشرها مسلّحو الفصائل ويتفاخرون بها، عملية تطهير متعمّدة على أساس طائفي، ذهب ضحيتها آلاف السوريين من الطائفة العلوية، بين قتيل ومصاب ومفقود.

 

وبعد ساعات من إعلان «وزارة الدفاع» في الإدارة الجديدة وقف العمليات القتالية، والطلب من الفصائل «غير المنضبطة»، والتي شاركت في ارتكاب المجازر وعمليات السرقة والخطف، مغادرة الساحل، أعلنت الوزارة بدء «المرحلة الثانية» من العمليات، والتي تشارك فيها الطائرات المُسيّرة، والدبابات والمدفعية. غير أن تلك الجماعات التي تم وصفها بأنها «غير منضبطة»، واصلت التنقل بين قرى الساحل، وارتكاب المزيد من المجازر.

 

ولا يمكن إلى الآن إحصاء عدد القرى المتضررة، كما لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد الضحايا، في ظل عدم قدرة السكان الذين فرّوا من منازلهم وقراهم على العودة والاطّلاع على الأوضاع على الأرض. وفي هذا الإطار، برزت مطالب بالسماح لهؤلاء بدفن ضحاياهم، بعد التأكد من مقتلهم عبر التسجيلات المصوّرة التي قام بنشرها مرتكبو الجرائم، التي تخللها إذلال للضحايا قبل إعدامهم، وتمثيل بجثثهم بعد تصفيتهم. ومن جهته، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي ينشط من لندن، أنه وثّق «مقتل 830 مدنياً على يد عناصر من وزارة الدفاع والمسلحين الموالين لها، والذين جرى جمعهم بالنفير العام والإعلان عن الجهاد في المساجد»، في وقت أعلنت فيه الحكومة المؤقتة، المنتهية ولايتها، أن عدد قتلى «الأمن العام» بلغ 231.

 

وبالتزامن مع انتشار صور لعمليات دفن جماعية قام بها الأهالي لضحايا الهجمات التي تعرّضت لها مدينة بانياس في ريف طرطوس، والتي لا تزال تشهد توترات مستمرة على وقع محاولة شنّ هجمات على منطقة سكنية مكتظة قرب المصفاة النفطية (مساكن مصفاة بانياس)، ولجأ إلها عدد من الهاربين من مجازر المدينة، أعلنت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) العثور على «مقبرة جماعية» تضم جثامين 4 عناصر من «قوى الأمن» في وادٍ قرب مدينة القرداحة في ريف اللاذقية.

 

ومع استمرار الانتهاكات، نظّم ناشطون سياسيون وفنانون وقفة صامتة في ساحة المرجة، قرب وزارة الداخلية في العاصمة دمشق، للمطالبة بوقف الاعتداء على عناصر «الأمن»، ووقف عمليات القتل بحق المدنيين، لتواجه هذه الوقفة بهجوم شنّه موالون للإدارة الجديدة رفعوا شعارات طائفية، قبل أن تتدخل «قوى الأمن» وتفض التجمع عبر إطلاق الرصاص في الهواء.

 

وكان أثار التسجيل المصوّر الذي خرج من خلاله الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، السبت الماضي، ليتعهّد بحماية «السلم الأهلي»، ويؤكّد، في الوقت نفسه، استمرار العمليات العسكرية في الساحل السوري لـ«ملاحقة فلول النظام»، جدلاً واسعاً في الأوساط السورية، قبل أن يظهر الشرع في وقت لاحق خلال صلاة الفجر في أحد مساجد حي المزة الدمشقي، ويقول إن التحديات التي تواجه سوريا حالياً تأتي ضمن «المتوقع».

 

وشدّد، في كلمته تلك، على أنه «من الضروري المحافظة على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي»، متابعاً أنه «يجب أن يدرك السوريون أن بلادهم تمتلك مقوّمات البقاء، ولا خوف عليها ما دامت الثورة خرجت من هذه المساجد».

 

من المتوقع أن يعقد مجلس الأمن، عصر اليوم، جلسة مباحثات طارئة مغلقة حول سوريا، بطلب روسي وأميركي

وبينما بدت الأصداء العالمية، بداية، متردّدة حيال ما يجري من مجازر، خرجت بعض الأصوات الغربية المندّدة بها، والتي بدأها وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي دان «ما يرتكبه الإرهابيون الإسلاميون المتطرفون بمن معهم من جهاديين أجانب، من قتل للمواطنين في الساحل السوري»، داعياً الإدارة السورية الجديدة إلى محاسبة مرتكبي المجازر ضد الأقليات في سوريا. وبدوره، قال وزير الخارجية البريطاني، ديفيد لامي، إن التقارير التي ترد حول المدنيين الذين يُقتلون في المناطق الساحلية السورية «مروّعة»، مضيفاً أنه من الضروري أن تضمن السلطات في دمشق حماية جميع السوريين.

 

كما أصدرت الخارجية الألمانية بياناً أعلنت خلاله إدانتها لأعمال العنف في طرطوس واللاذقية وحمص، واصفةً «التقارير حول قتل المدنيين والأسرى»، بـ«الصادمة». وتابعت: «تتحمل الحكومة الانتقالية مسؤولية منع المزيد من الانتهاكات، والتحقيق في الحوادث، ومحاسبة المسؤولين».

 

وإذ تجاهل الشرع، في تصريحات الفجر، الانتهاكات التي تجري على الأرض، فهو سارع، بعد صدور بيانات غربية منددة، إلى الإعلان عن تشكيل «لجنة للتحقيق» في أحداث الساحل. غير أن نص القرار الذي تم نشره عبر القنوات الرسمية، أثار جدلاً واسعاً بسبب تحديد يوم واحد فقط لهذه الانتهاكات، وهو السادس من الشهر الحالي، أي اليوم الذي اندلعت فيه المعارك، من دون وجود أي توضيح حول الأيام اللاحقة التي شهدت الانتهاكات نفسها. وحدّد القرار مدة 30 يوماً لإعداد التقرير، الذي يفترض أن يتضمن أيضاً تحديد الأطراف المسؤولة عن الانتهاكات، وتلك المسؤولة عن الاعتداءات التي طاولت مؤسسات الدولة وعناصر «الأمن» والجيش.

 

وفي ظهور لاحق، أعلن الشرع، مساء أمس، عبر كلمة مصوّرة، تشكيل لجنة عليا للحفاظ على السلم الأهلي، وقال إنها ستكون مرتبطة برئاسة الجمهورية ومهمّتها التواصل مع الأهالي في الساحل السوري. كما حذّر من «مخططات» تهدف إلى «تقسيم سوريا»، ووعد بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات، التي قال إنها جرت إثر الهجمات التي شنّها «فلول النظام» السابق.

 

وتابع: «لن نسمح بأن تستغل هذه الظروف لتحقيق الثأر أو غايات وأفكار شخصية (…) سوريا لكل مكوّناتها ستبقى موحّدة»، مشيراً إلى أن لجنة تقصّي الحقائق ستقدّم تقريرها لتتم محاسبة كل من تورّط في دماء السوريين «عاجلاً ليس آجلاً»، وفق تعبيره. كما دعا دول الجوار إلى مساعدة سوريا لتأكيد وحدتها، معتبراً أن «فلول النظام ومن ورائهم جهات خارجية، يحاولون خلق حرب أهلية في سوريا».

 

ميدانياً، لا يزال آلاف السوريين هائمين في الأراضي الزراعية – على رغم أن بعضهم احتمى بقاعدة حميميم الروسية -، في وقت تستمر فيه العملية العسكرية التي تشنها قوات الشرع، والتي يتخللها قصف مدفعي عنيف في المناطق الجبلية، وعمليات سرقة وإحراق للأملاك. ومع استمرار توسع دائرة المجازر، وردت أنباء عن زيارة تجريها لجنة أممية إلى بعض مناطق ريف اللاذقية للاطّلاع على الأوضاع، في ظل شحن طائفي مستمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تضج بالتسجيلات المصوّرة للانتهاكات، وقوائم اسمية بالضحايا، ونداءات استغاثة بـ«قوى الأمن» لمنع دخول أرتال من الفصائل التي قامت بارتكاب مجازر سابقة، وتضم إلى جانب المقاتلين السوريين، مقاتلين عرباً وأجانب، ظهر بعضهم في تسجيلات مصوّرة وهم يتفاخرون بعمليات إبادة العلويين.

 

ومن المتوقع أن يعقد «مجلس الأمن» الدولي، عصر اليوم، جلسة مباحثات طارئة مغلقة حول سوريا، أعلن مساعد مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، أنّ موسكو وواشنطن طلبتا عقدها «بسبب العنف الموجه ضد المدنيين في غرب سوريا».

You might also like