إنقاذ ماء وجه نتنياهو أم بايدن (حبيب البستاني)

تستمر الحرب الإسرائيلية على غزة وهي وإن تعددت عناوينها وكثرت مواقعها من الشمال إلى الجنوب وصولاً إلى رفح، وهي في طريقها لم تستثن الضفة الغربية وأماكن الحكم الذاتي الفلسطيني حتى باتت حكومة محمود عباس في خبر كان، فلا أحد يشير إليها أو يتحدث عنها وإن كان تلميحاً، فلا فلسطينيو الداخل ينتمون إليها ولا فلسطينيو الشتات، وبرزت حماس بالرغم من رفض العالم لها، وكأنها الناطق الرسمي باسم الفلسطينيين تجسد أمالهم وطموحاتهم في دولة حرة ومستقلة وذلك بالرغم من الخسائر البشرية والخسائر المادية الجسيمة التي منيت بها الحركة والشعب الفلسطيني. بالرغم من كل ذلك تبدو الدولة العبرية وبالرغم من انتصاراتها في الميدان بحاجة إلى وقت ليس لإنهاء الحرب إنما لإعلان الانتصار. وهكذا تتكاثر الدعوات للجانب الإسرائيلي لضرورة وقف الحرب العبثية المهيأة للاستمرار وذلك بدون تحقيق أهداف، ومن الملاحظ أن هذه الأصوات تدعو إسرائيل لإعلان الانتصار وذلك بالرغم من عدم تحقيق الأهداف المعلنة وذلك بغية وقف الحرب.
لا نهاية للحرب بدون لا غالب ولا مغلوب
إنها صورة الحروب العربية وحروب الزمن الغابر، حيث أن وقف المعارك يعني انكسار العدو واندحاره ومعه تُسلم مفاتيح المدن والدور وإن كانت مهدمة بنسائها وأطفالها، هكذا يفهم العقل الشرقي الحرب وإسرائيل هي جزء لا يتجزأ من هذا الشرق شئنا أم أبينا، وعقلية الشعب اليهودي وطريقة تفكيره تشبه إلى حد بعيد العقلية العربية وعاداتهم قريبة من عاداتنا. فالحرب لا تؤدي إلا إلى النصر أو إلى الهزيمة وهي تشبه إلى حد بعيد المقولة التي أعلنها طارق بن زياد عند دخوله الأندلس “البحر من ورائكم والعدو أمامكم”. هكذا يتصرف الجيش الإسرائيلي والدولة العبرية بأكثرية أبنائها فهم يريدون هزيمة حماس لا أكثر ولا أقل وبالتالي فإنه لا وجود للحرب التي تؤدي إلى السلام، فهذا المفهوم هو مفهوم غربي حدث ويحدث بين الدول الأوروبية كما حدث بين ألمانيا ومعها جيش الرايخ الثالث والحلفاء.
الوسطاء وما أكثرهم يتقنون اللعبة
من هنا لا بد لنا من فهم دور الوسطاء لا سيما الدور الأوروبي والأميركي بصورة خاصة، وهم يعلمون تماماً أنه ينبغي إعطاء إسرائيل لا سيما نتنياهو شيئاً مقابل وقف الحرب، فإسرائيل لا تريد وقف الحرب بدون الانتصار وهي عاجزة عن تحقيقه، من هنا كان البحث عن إعطاء إسرائيل شيئاً ما يشبه الانتصار، فيشعر الناس في الدولة العبرية أنهم حققوا شيئاً وإن كان هذا الشيء لا ينتمي إلى الواقع الملموس، فحماس مصممة للمضي في القتال حتى آخر فلسطيني وحتى آخر دسكرة أو بيت أو حي، كل ذلك في مشهد سوريالي الذي غالباً ما ينتهي بالانتحار الجماعي.
استمرار الحرب له انعكاسات ليس فقط على المنطقة إنما على دول العالم
فعلى أبواب الانتخابات الأميركية يسعى الرئيس الأميركي لتحقيق هدية للشعب الأميركي الذي تشير استطلاعات الراي إلى تراجع شعبيته، وهذه الهدية لا يمكن أن تكون أقل من وقف لإطلاق النار في غزة، مما سينعكس هدوءاً على كافة جبهات المنطقة من الجنوب اللبناني إلى سواحل اليمن. وإذا كان حل الدولتين مرفوضاً من قبل الإسرائيليين فإن وقفاً لإطلاق النار وانسحاب إسرائيل من غزة وعودة النازحين الفلسطينيين قد يشكل جائزة ترضية للفلسطينيين والدول العربية المساندة لهم. في المقابل إن استرداد المحتجزين الإسرائيليين قد يشكل مخرجاً مقبولاً للإسرائيليين، مع ما يستتيع ذلك من عودة للاتصالات التي كانت قائمة بين الدول العربية والخليجية من جهة والدولة العبرية مما يعني عودة الحديث عن التعاون الاستراتيجي لا سيما بين الدول المعنية بطريق الحرير.
هكذا ينطلق السباق بين إنقاذ ماء وجه بايدن عشية الانتخابات وإنقاذ وجه نتنياهو الغارق في مشاكله الداخلية، وهكذا يبدو أن الانتصار الوهمي ووقف النار وعودة النازحين الفلسطينيين هو أمر لا بد منه، وأنه بات على الوسطاء بذل أكبر الجهود لتحقيق ذلك.
حبيب البستاني- كاتب سياسي

You might also like