في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الشارع السوري، أعلنت وزارة التربية في الحكومة المؤقّتة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام»، عن تعديلات وعمليات حذف في المناهج التعليمية في المرحلتين الأساسية والثانوية (من الصف الأول وحتى البكلوريا). وأظهرت التعديلات توجّهاً متشدداً واضح المعالم، وشطباً لشخصيات وطنية وتاريخية سورية، بالإضافة إلى استبدال النصوص التي تتعلق بحرب تشرين التحريرية عام 1973 بوجه الاحتلال الصهيوني، والاكتفاء بذكر حرب 1973.
وركّزت التحويرات التي أجريت على جميع الكتب تقريباً، وتضمّنت حذف مادة التربية القومية، بشكل أساسي، على شقين اثنين: الأول يتعلق بالشؤون الدينية (سواء في كتب التربية الدينية أو بقية الكتب)، والثاني يرتبط بتاريخ سوريا وحاضرها على مر العصور، بدءاً من زنوبيا، ملكة تدمر، التي اعتبرتها الوزارة الجديدة شخصية خيالية وأوصت بإزاحتها، وليس انتهاءً بمحو كل ما يتعلق بالاحتلالين العثماني والفرنسي، والشخصيات الوطنية في الفترتين، بمن فيهم شهداء السادس من أيار عام 1916.
ويتبيّن من خلال القرار الذي جاء في 13 صفحة قامت «التربية» بنشرها عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الوزارة غاصت بشكل معمّق في مختلف الكتب، إلى درجة إيصائها بشطب بعض أبيات الشعر التي تمجّد الوطن، وفرض رؤىً جديدة مرتبطة بسياق ديني؛ فلا «شهيد» إلا من قُتل «في سبيل الله»، ولا عمل من أجل الوطن وإنما «في سبيل الله». كذلك، تمّ استبدال بعض الشروحات الدينية، وفرض شروحات متطرّفة في مكانها، من بينها مثلاً شرح كلمة «الضالين» الواردة في سورة الفاتحة، والتي كان يفسّرها الكتاب بـ«من ابتعدوا عن طريق الخير»، ليجري تعريفها بموجب التعديلات بأنها تعني «اليهود والنصارى». وتمّ أيضاً حذف فقرة متعلقة بـ«تطور الدماغ» من مادة العلوم للصف الثالث الثانوي، بالإضافة إلى حذف مادة الفكر الفلسفي الصيني.
يتبيّن من خلال القرار أن وزارة التربية المؤقتة غاصت بشكل معمّق في مختلف الكتب
وفي وقت أثارت فيه التعديلات المتعلقة بالشق الديني الرأي العام السوري، تكشف عملية بحث في تفاصيل أخرى في متن القرار تغييرات هائلة في المناهج التي تمّ العبث بها، وإعادة تركيبها مرة أخرى عبر إجراءات بدت أنها عاجلة. ومن بين ذلك مثلاً، حذف كل ما يتعلق بفن النحت، وحذف شخصيات سورية مؤثّرة عبر التاريخ، بينهم شعراء (سليمان العيسى) وفنانون (أبو خليل القباني)، ومناضلون (إبراهيم هنانو) وشهداء قاوموا الاحتلال الإسرائيلي (جول جمال)، بالإضافة إلى نساء سوريات عظيمات (نازك العابد). وإلى جانب موجة الغضب الشعبية التي أثارها القرار، طُرحت تساؤلات عديدة حول الآلية التي تمّ اتباعها في بلورته، بالنظر إلى أن تعديل المناهج يحتاج إلى شهور لدراستها، إضافة إلى السند القانوني لهذه التعديلات، كون الجهة التي أصدرتها هي مجرد «حكومة مؤقتة» من المفترض أن وظيفتها تسيير الأعمال لمدة ثلاثة أشهر فقط. وفي مفارقة لا بد من الوقوف عندها، جاء قرار التعديل، الذي اعتبر المسيحيين «ضالين»، بعد يوم واحد فقط من استقبال أحمد الشرع، الذي يقود الإدارة السورية الجديدة، وفداً مسيحياً بالتزامن مع الاحتفالات بأعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية، وهي الفترة التي يبدو أن وزارة التربية أرادت استثمارها لتمرير القرار.
وفي محاولة للالتفاف على الجدل الذي أثارته الخطوة، أصدر وزير التربية في الحكومة المؤقتة، نذير القادري، بياناً برّر فيه التعديلات بأنها استهدفت ما يتعلق «بتمجيد النظام السابق ورموزه»، و«بعض المعلومات المغلوطة» في مناهج التربية الدينية، زاعماً أن «المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها»، الأمر الذي فسّره بعض السوريين بأنه تراجع ضمني عن القرار. غير أن الواقع يؤكد إصرار الوزارة على استكمال إجراءاتها، التي ترسم تصوراً مبدئياً لشكل المناهج السورية مستقبلاً، والتي ستسعى لمحو تاريخ البلاد، بما فيه من مقاومة للاحتلالين العثماني والفرنسي، وربما تمجيد فترة «الخلافة العثمانية»، كونها تشكل «قدوة» لقيادة سورية جديدة منحت تركيا سطوة غير مسبوقة على سوريا.