لم تكن تعيينات مجلس الإنماء والإعمار لتجري ضمن إطار آليّة التعيينات الصادرة عن مجلس الوزراء، لولا أن البنك الدولي كان هو الطرف الذي فرض ذلك.
وهذا الفرض أخذ بداية طابعاً تقنيّاً، قبل أن يظهر أنه مظلّة لتوجّه سياسي دولي يقضي بأن إعادة الإعمار يجب أن تكون تحت مظلّة هذا المجلس، ما يتطلب أن تكون التعيينات وفقاً للمعايير الدولية التي تتّسم بـ«الشفافية»، لكن وفق معايير أطراف الوصاية الخارجية على لبنان، وهي الشفافية التي تفرض إخفاء معايير الانتقاء بين المرشّحين، لتكون بمثابة غطاء لتعيين سياسي يناسب مصالح الأطراف المحلية والدولية في آن معاً.
الآليّة الصادرة عن مجلس الوزراء، هي عبارة عن مبادئ عامة تتبنّى تسعة بنود: الأولوية، التّنافس، العلنية، الشمولية، عدم تضارب المصالح، المرونة والمداورة، المشاركة، التنوّع والشمول، الشّفافية والمُساءلة. أمّا معايير الاختيار كما وردتْ في قرار مجلس الوزراء، فهي: المؤهّلات العلمية والإدارية، الكفاءة، الجدارة، الاستحقاق والنّزاهة.
وبحسب قرار مجلس الوزراء، ستتولّى لجنة يرأسها الوزير المعني، وتضم وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية ورئيس مجلس الخدمة المدنية أو من يمثّلهما، دراسة ملف كل من المرشحِين داخل الملاك الإداري، ثم تحدّد موعداً لإجراء المقابلات على أن ينضم إليها ثلاثة خبراء من ذوي الاختصاص على أن يسمّي الوزير المعني اثنين منهم، ويسمّي وزير التنمية والإدارة الثالث.
أمّا إذا كان التعيين من خارج الملاك الإداري، فإن وزير التنمية ورئيس مجلس الخدمة المدنية يضعان معايير موضوعية قابلة للقياس لتقييم الطلبات المقبولة بعد فرزها إلكترونياً، على أن يتم تحديد نسبة مئوية من أصل 10% لكل معيار، وعلامة لنتائج التّقييم تكون بمثابة حدّ أدنى مؤهّل لإجراء المقابلة. وعند إجراء المقابلة ينضم إلى هذه اللّجنة أيضاً ثلاثة خبراء من ذوي الاختصاص.
ووفق روايات مرشّحين إلى مراكز عليا في مجلس الإنماء والإعمار، لم تكن الشفافية حاضرة، ولم تكن النتائج مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء.
فقد تم إعداد «لائحة مختصرة» استَبعدت أسماء من ذوي المواصفات العالية والكفاءات لأسباب غير مفهومة برّرها أحد أعضاء اللّجنة، بحسب المطّلعين، بأنها تعود إلى ضعف عامل «القيادة» لديهم.
لكنّ على الأقلّ اثنين من بين هؤلاء يتّسمان بخبرة كبيرة ويشغلان مراكز قيادية منذ سنوات. وكان لافتاً انتقاء موظّفة تعمل في قسم من دون الاستعانة برئيس القسم نفسه، وهو صاحب الاختصاص، لأجل إجراء المقابلة مع المرشحين. وهذا الوضع تكرّر أكثر من مرّة أثناء اختيار اللّائحة المختصرة لتحديد الأسماء التي سيتم إجراء مقابلات مع أصحابها.
كما كان يُفترض أن يتم الفرز إلكترونياً، وليس عبر «لائحة مختصرة» تضعها اللّجنة، ولم يكن من المفترض تسريب أي لوائح بأسماء المرشحين لإجراء المقابلات على عكس الذي حصل. كما أن معايير التّقييم غير واضحة.
واللّجنة المختارة، تمثّل فيها رئيس الحكومة، لكونه سلطة الوصاية المعنية بمجلس الإنماء والإعمار، وزير الاقتصاد عامر البساط، ثمّ جرى تعيين وزير الطاقة جو صدّي بصفة خبير، وله معرفة بمراجعة ملفّات المرشحين لتولّي مناصب عُليا، علماً أنّ الإجراءات وطُرق انتقاء اللائحة المختصرة، دفعت صدّي إلى الاعتراض، حتى وصل به الأمر إلى أن توقّف عن توجيه الأسئلة أثناء إجراء المقابلات الشّفويّة. وبحسب المعلومات، فإن صدّي ووزير الصناعة جو عيسى الخوري (ووزراء القوات اللبنانية) كان لديهم موقف سلبيّ تجاه هذه التعيينات انطلاقاً من كونها لا تلبّي معيار الشفافية.
لكن هل يكفي اعتراض عدد قليل من الوزراء، لإثارة الشّكوك حول هذا التعيين في مجلس الإنماء والإعمار؟
وكان الوزير عيسى الخوري قد أثار هذه المسألة في مجلس الوزراء أمس من زاوية أن بند التّعيينات عُرض على جدول الأعمال بشكل ضبابي (تعيينات مختلفة) ولم يتبلّغ الوزراء مسبقاً بالأسماء التي اختارتها لهم اللّجنة، كما لم يطّلع الوزراء على أي تقرير بأعمال اللّجنة وآليّة الاختيار وبالعلامات التي نالها المرشّحون المستَبعدون بل اقتصر الأمر على المختارين، وهو الأمر الذي كان ينبغي حصوله عند توزيع جدول الأعمال. ونُقل عن عيسى الخوري قوله إنه «ليس مقبولاً إخفاء التعيينات بعد اتفاق على آلية يُفترض أنها شفّافة. فما حصل يعني أن الآليّة التي أقرّها مجلس الوزراء كانت مجرّد غطاء للعودة إلى ما كانت عليه الحال سابقاً».
فضيحة مفوّض الحكومة
علمت «الأخبار» أن مفوّض الحكومة بالتّكليف لدى مجلس الإنماء والإعمار زياد نصر، حمل الملفّات التي يُفترض به توقيعها في آخر يوم عمل له بعد انتهاء تكليفه، وأخذها إلى منزله، ما أثار الكثير من الشّبهات بشأن هذا السّلوك. فهل من المسموح لموظّف انتهت مدّته في الوظيفة أن يأخذ الملفات في عطلة نهاية الأسبوع، بينما كل ما يترتّب عليه أن يفعله عُرفاً هو توقيعها والتّأشير عليها فقط، علماً أن القانون لا يَفرض توقيعه أصلاً.