هكذا تحطمت أوهام “سلطة الأمر الواقع” على صخور جبل العرب

الثبات: حسان الحسن-

من لديه اطلاع على بعض خصوصيات البيئة الاجتماعية في الجنوب السوري، وطبيعته الجغرافية، يدرك تمامًا أن الحوادث الأليمة التي وقعت مؤخراً في محافظة السويداء، مفتعَلة حتمًا، وخارجة كليًا عن المألوف.

 

صحيح أن الخلافات بين قبائل البدو الموجودين في سهل حوران، وأهالي جبل العرب ليست مستجدةً، بل تعود إلى زمنٍ بعيدٍ، وعادةً كانت تحدث على خلفية رعي البدو لماشيتهم في أراضي السويداء، ما يتسبب بأضرارٍ للأراضي والمنتوجات الذراعية، في المنطقة المذكورة.

 

لكن كانت تبقى هذه الخلافات ضمن الإطار المألوف لأي “خلافٍ روتينيٍ” قد يقع بين الجيران، تارةً على “خلفية الرعي”، أو تقاسم المياه، وما شاكل.

وفور وقع أي أشكالٍ أو خلافٍ بين الجانبين، كان يتدخل على الفور وجهاء السويداء ومشايخ القبائل لتطويق المشاكل والخلافات، وتنتهي عادةً “بتبويس شوارب”.

 

أضف إلى ذلك، كانت هيبة الدولة حاضرةً بقوةٍ على امتداد الجغرافيا السورية، قبل الحرب على البلاد، في منتصف آذار 2011، وكانت الدولة تشجع “الوجهاء والمشايخ” على فض الخلافات بين الجانبين المذكورين، كذلك كانت تتدخل في شكلٍ مباشرٍ، إذا اقتضى الأمر، لمنع تطور أي خلافٍ، وهكذا كانت تحل المشكلات في الجنوب السوري قبل العام 2011.

أما بعد هذا التاريخ، فقد شهدت الطريق العام التي تربط العاصمة السورية دمشق بالسويداء، تجاوزاتٍ أمنية؛ من أعمال خطفٍ واعتداءاتٍ على المارةٍ… طاولت أهالي السويداء، وأججت الأجواء بين أهالي جبل العرب والبدو، لكن بقيت منضبطةً إلى حدٍ معينٍ، خصوصًا بعد تدخل وسطاء الخير من أهالي الجنوب على الخط، لإطلاق المختطفين ومنع التجاوزات، ولم تصل الأمور يومًا إلى ما وصلت إليه في الأيام الفائتة؛ أي دعوة القبائل إلى “النفير العام”، ودخول مسلحي البدو مع الإرهاربيين التكفيريين إلى بعض القرى الدرزية، وإرتكاب المجازر، وأفظع أشكال الجرائم في حق أهلها ومشايخها، ما يؤكد حتمية تدخل “الأيادي الخفية” لتأجيج الأوضاع في الجنوب، وللانتقام من أهالي السويداء، الذي تصدوا للمسلحين التكفيرييين في جبل العرب، ومنعوهم من الإنتشار فيه، تحت ستار ما يسمى بـ”الأمن العام”، في الأيام الفائتة، بعدما عاثوا إجرامًا في هذا الجبل، وسط صمتٍ مطبقٍ من سلطة الأمر الواقع الراهنة في دمشق، ومن بالبديهي أن تأخذ هذه الحوادث منحًا طائفيًا، ما دامت “السلطة” القائمة في دمشق منبثقةً من تنطيمٍ تكفيري.

 

كذلك لم تتدخل أي دولةٍ عربيةٍ لوقف مجازر التكفيريين في حق أهالي السويداء، الذي تصدوا ببسالةٍ للهجمات التكفيرية، وتدخل العدو “الإسرائيلي” على خط المواجهات المذكورة، بعدما أدخل المسلحون التكفيريون سلاح المدرعات للمساعدة على حسم هذه المواجهات، ما أثار غضب العدو، الذي أوعز لسلاح الجو لدى جيشه باستهداف التكفيريين.

 

وفي هذا الإطار أيضًا، لا يمكن إغفال تأثير طائفة الموحدين الدروز في فلسطين المحتلة، على دوائر القرار في الكيان الصهيوني، ما عزز قرار التدخل العسكري الصهيوني في المواجهات بين أهالي جبل العرب والبدو.

 

إلى أن توصل الجانبان إلى اتفاقٍ، برعاية دولٍ ضامنةٍ، لم يأت بيان الاتفاق على ذكرها، ويفضي إلى وقف القتال، وانتشار ما يسمى “الأمن العام” خارج حدود محافظة السويداء، وتأمين خروج آمن لمن تبقى من أبناء القبائل داخل المحافظة، بالتالي فقد حسمت المعركة لمصلحة أهالي جبل العرب، وسقطت كل تهديدات البدو والتكفيريين بالسيطرة على هذا الجبل الأشم.

You might also like