كتب الإعلامي ريكاردو كرم عبر صفحته ما يلي :” وضعت القاضية غادة عون نقطة النهاية لرحلة طويلة من العمل القانوني في أكثر الدول فساداً وانقساماً. خطّت رسالة الوداع بدموع الفراق وألم الحسرة على أهلها المحكومين من دولة عميقة امتصّت جنى أعمارهم وقضت على أحلامهم. وبهذا، ينطفئ صوتٌ من أصوات الحقيقة في دهاليز السلطة. تجرّأت القاضية غادة عون، رغم الهجمات والعراقيل والعداوات، على طرح الأسئلة التي طالما خشي الكثيرون طرحها. أين ذهبت أموال الشعب؟ من نهب مدّخرات المتقاعدين والمعلّمين والعسكريين والعاملين الشرفاء؟ من أين لك هذا أنت “ملّا إنت”؟ إنّ إحالة القاضية عون إلى التقاعد هو انتصارٌ للفاسدين، وهزيمةٌ لأولئك الذين ما زالوا يؤمنون بالعدالة. اليوم، يبتهج الفاسدون وشركاؤهم بصمت. فقد اختفى العائق الذي كانت تُمثّله تلك القاضية النزيهة، وزال معه الخوف من أن يطالَهم الحساب يوماً.
وفي كواليس القصور والمصارف، تنفّس هؤلاء الصعداء، بل وفتحوا زجاجات الشمبانيا احتفالاً بفكرة أنَّ العدالة قد خسرت إحدى أشدّ محارباتِها ضراوةً. ومن جهةٍ أخرى, تلقّى المواطنون الشرفاء وكل المؤمنين بسيادة القانون النبأَ كضربة قاسية. فقد رأوا في ذلك خسارة هائلة للعدالة وللوطن بأسره. لا شكّ أنّ القاضية عون كانت مثيرةً للجدل، ولكن الجوهر كان أهمّ من الشكل. لقد أزعجت أصحاب النفوذ، وهزّت النظام القائم، وواجهت منظومةً متجذّرةً في ثقافة الإفلات من العقاب. معركتها لا تتوقّف هنا، فالحقيقة لا تعرف التقاعد. تحيّة إجلالٍ لقاضية أعادت بشجاعتها ونزاهتها إشعال شعلة الأمل. سيبقى اسمُها مرادفاً للصمود في وجه الظلم، ويُشكّلُ تنحيّها نهاية فصلٍ من الحكاية بلا شكّ، لكنه بالتأكيد ليس نهاية المعركة من أجل لبنان عادلٍ ونزيه. تغادرُ القاضيةُ غادة عون منصّةَ القضاء، لكن معركة الحقيقة والعدالة لا تزال مستمرّة.
وهنا أستحضر فيروز في دور زنوبيا وهي تواجه الإمبراطور الروماني أورليانوس الذي حطّم أحلامها مرددةً لشعبها: “قولوا للشُّعرا يكمّلوا الأشعار قولوا للثُّوار يضلّهُن ثوّار المملكة تِدمُر انتهِتْ مِن الأرض صارِتْ بالقلوب صارِت بالمَدار صارِت الصّرخة وصارِت النّار أورليانوس عجّل خدني على روما عليِت الصّرخة كبرِت على المَوت لا عسكرَك أورليانوس ولا قوّة روما ولا كلّ روما بالدّهر بتسكِّت هالصَّوت”.”
