الإعلامي ريكاردو كرم: ما لفتني حقاً كان ما حمله هذا النهار من معنى

الإعلامي ريكاردو كرم:

‏وصلت إلى لبنان ليلة أمس لأكون حاضراً مع أبنائي في القدّاس الحاشد الذي احتفل به الحبر الأعظم. لحظة الدخول إلى الساحة، وسط هذا البحر من الناس، شعرت بأنّ شيئاً أكبر منّا جميعاً يجمعنا.
وما شدّني في هذا القدّاس لم يكن روعة التنظيم، ولا الجوقة التي أدّت بشكل مدهش، ولا الجهود الجبّارة للقوى الأمنية، رغم أنّ كلّ ذلك كان يستحق كل الاحترام. ما لفتني حقاً كان ما حمله هذا النهار من معنى: الرسائل الإنسانية العميقة التي رافقت زيارة البابا، ووقفته مع الذين يعيشون على هامش اهتمامنا، من مستشفى دير الصليب للأمراض النفسية والعقلية في جل الديب إلى أرض الانفجار حيث سقط شهداء الرابع من آب.

في مجتمعٍ ما زال يعتبر المرض النفسي عيباً، كانت تلك الزيارة فعل اعترافٍ بكرامة أشخاص تُهملهم الدولة ويُخجل بهم المجتمع. البابا لم يذهب إلى “الهامش” بل هو أعاد رسم ما هو أساسي. قال لهم ولنا: “هؤلاء جزء منكم … وهؤلاء أولى بالرعاية والاهتمام”.

ثم كانت المحطة الأعمق، عند موقع الانفجار. هناك حيث الألم لا يزال حارّ رغم السنين. أن يقف البابا بين الأهالي، يصافحهم، يقرأ الوجوه لا التقارير، ويلتزم أمام الملأ بأنّ العدالة يجب أن تأخذ مجراها، كان ذلك فعلاً سياسياً بامتياز، لكنه أتى بثوب إنساني لا يحتاج إلى خطاب ولا إلى منصة.

هذا هو الموضوع الذي يستحق التعليق. لا قيمة لمن جلس في الصف الأول أو لِمَن استُقدّم بقدرة علاقات ودفاتر عناوين. لبنان غارق بما يكفي كي لا نُضيف طبقة جديدة من السطحية. الأهمّ هو ما حمله البابا معه: نظرة للإنسان قبل الطائفة، للمواطن قبل المسؤول، وللجريح قبل صاحب النفوذ.
اليوم، منح لبنان فرصةً صغيرة ليتذكّر نفسه: أنّ قيمته ليست في مقاعد البروتوكول، بل في قدرته على أن يرى المهمّشين، ويُكرّم الضحايا، ويضع العدالة في صدارة الصلاة.

You might also like