Site icon Lebanotrend

60% من الآبار في البقاع وجبل لبنان «نشّفت»: الجفاف الأكثر قسوة خلال عقدين

سامر الحسيني

ينتظر المزارعون سنوياً موسم الأمطار لترتوي مزروعاتهم بكفايتها من المياه. لكن مرّ حتى الآن على الموعد المعتاد للاستغناء عن وسائل الري، أكثر من شهر، ولم تهطل الأمطار المنتظرة بعد، ما يُهدّد الموسم الزراعي، ويستنزف ما هو موجودٌ من مياه جوفية.
بحسب رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين، إبراهيم الترشيشي، اعتاد المزارعون «رفع وسائل الري مع نهاية أيلول، فموسم الأمطار يبدأ في 5 تشرين الأول». لكن ما يحصل اليوم «يُثبت أن الجفاف الذي عاشه المزارعون العام الماضي بات أمراً واقعاً هذا العام أيضاً، في ظلّ الانحباس المستمر للأمطار».

نتيجة لهذا الواقع، يحجم المزارعون عن زراعة الحبوب، والسبب أنها زراعة بعلية لا يمكن إطلاق موسمها في ظلّ الجفاف. والمعطيات المناخية كافة تُؤشر إلى أن لبنان مقبل على سنة جديدة من الجفاف، ما سيؤدي إلى مزيد من استنزاف المياه الجوفية وخسائر زراعية لا تُعدّ ولا تُحصى، إضافةً إلى تقلّص المساحات المزروعة وتدهور نوعية الإنتاج وانخفاض كمياته.

تداعيات سلبية

لذا، يرفع الترشيشي الصوت عالياً للتحذير من التداعيات السلبية، وهي: أولاً، ارتفاع كلفة الإنتاج نتيجة الاعتماد المتزايد على المياه الجوفية التي تتناقص شهراً بعد شهر بسبب شحّ الأمطار. ثانياً، تدهور نوعية الإنتاج الزراعي وانخفاض كمياته، ما يرفع الكلفة الإنتاجية. ثالثاً، تضرر الأشجار المثمرة (كروم العنب) التي تحتاج إلى ريّ متواصل، خصوصاً في أشهر الخريف والشتاء، إذ يتسبب شح الأمطار في أمراض زراعية وتراجع في الإنتاج.

بالأرقام، يُبيّن الترشيشي أن «المعدّل الطبيعي للأمطار كان يفترض أن يتجاوز 130 ملم حتى اليوم، بينما لا تتعدى الكمية المُسجَّلة في منطقة تل عمارة 2 ملم فقط، وهو مؤشر خطير جداً على الواقع البيئي والزراعي وعلى مستقبل المياه الجوفية في سهل البقاع». والأخطر، وفقاً للترشيشي، هو «عدم وجود أي حلّ واضح لهذه المعضلة المناخية حتى الآن».

فحتى اليوم، لا يزال المئات من المزارعين يروون أراضيهم من الآبار الجوفية وبكِلف مالية غير معهودة، على حدّ قول رئيس نقابة مزارعي الخضار والفاكهة في البقاع الأوسط، عمر حاطوم. ويحذر من أن ذلك «سيؤدي حتماً إلى تراجع المساحات الزراعية وتضرر آلاف الدونمات الزراعية وإلى ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق»، لافتاً إلى أن «الأضرار ستكون مضاعفة عن السنة الماضية بسبب الاحتباس الحراري وشح الأمطار».

 

آثار بيئية خطيرة

علمياً، يوضح البروفسور ناجي كعدي، الباحث والمحاضر في الهيدروجيولوجيا، أنه «منذ شهر شباط الماضي، يشهد لبنان واحدة من أكثر فترات الجفاف قسوة خلال العقدين الأخيرين، إذ انخفض معدل الهطول إلى مستويات غير مسبوقة في بعض المناطق. فبينما يبلغ المعدل السنوي الطبيعي للأمطار في لبنان بين 800 ملم و900 ملم كمعدل عام، سجّلت بعض محطات الرصد في جبل لبنان والبقاع خلال الموسم الأخير أقل من 50% إلى 60% من مجموع المتساقطات المعتادة».

وينبه كعدي إلى أن «هذا الانحباس المطوّل للأمطار يترك سلسلة من الآثار البيئية الخطيرة التي بدأت ملامحها تظهر بشكل واضح، خصوصاً في الغابات الصنوبرية والمياه الجوفية». ويشرح الوضع وفقاً للآتي:

– على مستوى الغابات، تُعدّ أشجار الصنوبر، خصوصاً الصنوبر المثمر (Pinus pinea) والصنوبر البروتي (Pinus brutia)، من الأنواع الحسّاسة لنقص الرطوبة. فهذه الأشجار تعتمد بشكل كبير على مخزون التربة من المياه خلال الربيع والصيف لضمان نموّ الإبر الجديدة وإنتاج الصمغ والبذور. ومع تراجع المتساقطات منذ شباط، انخفضت رطوبة التربة في كثير من الغابات إلى أقل من 15%. وهي نسبة تُعتبر حرجة وتُعرِّض الأشجار للإجهاد المائي الحاد.

وبالفعل، بدأت تظهر علامات الإصفرار المبكر وتساقط الإبر، ما قد يؤدي في حال استمرار الجفاف إلى معدل نفوق قد يتجاوز 10 – 15% في بعض المناطق الجافة، مثل المتن وكسروان وبعض المرتفعات الساحلية.

– تأثير انحباس الأمطار على المياه الجوفية خطير ومباشر، إذ يعتمد لبنان بشكل أساسي على تغذية المياه الجوفية عبر الأمطار الشتوية التي تتسرب في الصخور الكارستية. ومع تراجع الهطول بنسبة تجاوزت 50% في أماكن عدة، انخفض معدل تغذية المياه الجوفية بما يقارب 30% إلى 40%. هذا النقص بدأ يظهر فعلياً في جفاف عدد كبير من الآبار في البقاع وجبل لبنان، بما يتجاوز 60% منها.
– ينعكس هذا الوضع أيضاً على الزراعة، إذ تضررت الأشجار المثمرة، خصوصاً الزيتون والكرز والمشمش، بسبب الإجهاد المائي خلال مرحلة التزهير. وتشير تقديرات أولية إلى أن الإنتاج قد ينخفض في موسم 2025 بنسبة 15% إلى 20% في بعض المناطق نتيجة نقص الرطوبة.