اجتماع أمني – قضائي في بعبدا بشأن تسليم السجناء السوريين: الحلّ بمعاهدة ثنائية وتطبيق القانون

 

لينا فخر الدين –

للمرة الثانية على التوالي، يترأّس رئيس الجمهورية جوزيف عون اجتماعاً أمنياً في غياب رئيس الحكومة نواف سلام، من دون أن يُعرف ما إذا كان الغياب بسبب انشغاله باجتماعات أخرى أم لأنه لم يُبلّغ بموعد الاجتماع وجدول أعماله. إلّا أنّ غياب سلام هذه المرّة بدا فجّاً، لاتّساع عدد المشاركين في اللقاء ومضمونه، والذي شارك فيه عدد من الوزراء المعنيين ورؤساء الأجهزة الأمنية والقضائية، إضافة إلى المشرف على السجون في وزارة العدل القاضي رجا أبي نادر وعدد من المستشارين.

وتركّز الاجتماع على أزمة الاكتظاظ في السجون والإجراءات الواجب اتخاذها. وتزامن مع الطلب السوري الرسمي باسترداد سجناء سوريين من لبنان، الذي تحول دونه موانع قانونيّة. وبينما شدّد عون أمام الموجودين على وجوب تحسين أوضاع السجون من خلال تقليص أعداد الموقوفين، أكّد الحاضرون من القانونيين استحالة تسليم موقوفين لم تصدر في حقهم أحكام نهائية، معتبرين أن مثل هذا التسليم يتناقض مع نصوص القانون اللبناني. وطرحوا صيغة معاهدة أو اتفاقية تعاون قضائي تُبرم بين وزيري العدل في البلدين، وتسمح بتسليم المحكومين في قضايا لا تتعلق بالإرهاب أو قتل العسكريين.

وفي هذا السياق، ألمح عون إلى إمكان الشروع بمفاوضات مع الجانب السوري تمهيداً لصياغة هذه المعاهدة. ويتردّد أن دعوة عون للاجتماع الموسّع سببها اشتراط وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني تلقّي إشارات إيجابية ملموسة من الجانب اللبناني ليزور بيروت، مع الإشارة إلى أن اجتماع بعبدا لم يتطرّق إلى الكثير من تفاصيل قضية السجناء السوريين المعروفين بـ«الموقوفين الإسلاميين».

وعلمت «الأخبار» أنّ الأجهزة الأمنية بدأت قبيل الاجتماع بإعداد جداول تفصيلية بأسماء السجناء السوريين الموجودين لديها، تمّ تصنيفهم وفقاً للجرائم أو التهم الموجّهة إليهم، مع وضع اقتراحات بأسماء يُعدّ خطرهم أقل، ولا تشملهم تهم قتل أو محاولة قتل عسكريين. ويُفترض أن تُرفع هذه التوصيات والاقتراحات إلى الجهات المعنية في أقرب وقت في سياق البحث عن حلول عملية لتقليص الاكتظاظ.
المُطالعات والحلول القانونية

وبحسب المجتمعين، تخلّلت الاجتماع مداخلات قانونية لكل من وزير العدل عادل نصّار، والنائب العام التمييزي القاضي جمال الحجّار، والقاضي رجا أبي نادر، ركّزت على الحلول القانونية الممكنة. ومن بين أبرز ما طُرح، ضرورة التشدد في تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، التي تمنع أن تتجاوز مدة التوقيف الاحتياطي في الجنح شهرين، وفي الجنايات ستة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة فقط.

وأكّد المتحدثون أنّ تطبيق هذه المادة من شأنه أن يخفّف الاكتظاظ ويُسرّع المحاكمات. كما أشاروا إلى أهمية تفعيل جلسات محكمة الجنايات في سجن رومية، مستعرضين تقريراً يُظهر أن انعقاد المحكمة في الفترة ما بين 3 حزيران و10 تموز أدّى إلى 406 جلسات نظرت في قضايا 500 موقوف، وتمّت إحالة 177 منهم إلى مرحلة إعلان الأحكام.

واللافت أنّ مواقف نصار والحجّار وأبي نادر كانت حاسمة لجهة عدم إمكانية تسليم الموقوفين قبل محاكمتهم، مشيرين إلى أنّ الاكتظاظ ليس نتيجة مباشرة لوجود السجناء السوريين، بل تفاقمت المشكلة بعد تدفّقهم الكبير. كما بيّنوا أن معظمهم متّهمون بجرائم قتل وسرقة، فيما الأقلية موقوفون بسبب عدم حيازتهم أوراق إقامة، خصوصاً أنّ بعض القضاة يظهرون تهاوناً في توقيف من دخلوا البلاد خلسة.

وخلص الاجتماع إلى أن لا حلول سريعة وسحرية، بل إنّ السبيل القانوني الأقصر يبدأ بإجراء مفاوضات رسمية لإبرام معاهدة أو اتفاق قضائي مع سوريا، يُلزم لبنان بتسليم المحكومين لاستكمال محكومياتهم في بلادهم، على أن تبقى هذه المعاهدة محصورة في من صدرت في حقهم أحكام نهائية، ويُستكمل تسريع المحاكمات لتشمل الباقين.
لكنّ عدداً من الحاضرين أشاروا إلى أن هذه الصيغة قد لا تكون مُرضية للجانب السوري، كونها لن تشمل إلا شريحة محدودة من السجناء، تحديداً من لم يُدانوا بجرائم خطرة أو ذات طابع أمني.
أعداد السجناء اللبنانيين والسوريين

وإذ شدّد أبي نادر، على «ضرورة اتّباع مقاربة تُوازن بين حماية حقوق السجناء والحد من الاكتظاظ، مع احترام الأصول القانونية ومتطلبات العدالة والسلامة العامة»، استعرض في تقريره إحصاءات حديثة صادرة عن وزارة العدل قبل يومين، تظهر وجود 6028 سجيناً في السجون الخاضعة لوزارة العدل، بينهم نحو 100 قاصر و264 امرأة.
من هؤلاء، 3303 موقوفين (55%) و2716 صدرت في حقهم أحكام (45%)، من دون وجود أي سجين أنهى محكوميته وبقي في السجن. كما سُجّل وجود نحو 20 حالة لا تزال ملفاتها «قيد المعالجة».

يُعدّ سجن رومية الأكثر اكتظاظاً مع 3372 سجيناً، أقل من نصفهم لم تصدر في حقهم أحكام أو أنهم محكومون في قضايا وموقوفون في قضايا أخرى. كذلك، يُوجد 310 موقوفين في نظارات قصور العدل، وهو رقم يتغيّر يومياً. إضافة إلى ما يُقدّر بأكثر من 3 آلاف سجين في سجون تابعة لأجهزة أمنية أخرى، أبرزها سجن الريحانية التابع للشرطة العسكرية، بينما تقوم النيابة العامة العسكرية بإرسال تقرير دوري إلى وزارة الدفاع يتضمن بيانات بعدد السجناء ومراكز احتجازهم.

أما السجناء السوريون، فقد أشار أبي نادر إلى أن نسبتهم تصل إلى 30% من مجموع السجناء في السجون الخاضعة لوزارة العدل، أي نحو 2600 شخص، بينهم 380 محكوماً و370 صدرت في حقهم أحكام جزئية أو لا تزال قضاياهم عالقة، بينما الباقون لا تزال ملفاتهم قيد المحاكمة. من جهتها، أفادت مديرية المخابرات في الجيش، ممثَّلة بمديرها العميد طوني قهوجي، بأن عدد السجناء السوريين لدى المديرية يبلغ 2008.

ولم يتطرّق الاجتماع إلى ملفات الموقوفين السوريين المتهمين بالانتماء إلى تنظيمات مصنّفة إرهابية، أو بقتل عسكريين ومدنيين، ويُقدّر عددهم بـ 350 سجيناً، معظمهم محتجزون في المبنى «ب» في سجن رومية أو في سجن الريحانية.

You might also like