أكد الصحافي الإقتصادي منير يونس أنه “رغم ما رُفع من شعارات براقة حول الإصلاح ومحاربة الفساد واعادة بناء الدولة، ما إن وصلت بعض القوى إلى السلطة حتى انخرطت بقوة ووقاحة في لعبة توزيع الحصص والمناصب وفق ميزان الطوائف المزعوم، متناسية كل ما وعدت به اللبنانيين الغاضبين”.
وأوضح يونس: “الحيلة الأكثر رواجًا في هذا المسار، هي الاحتماء بشعار “حقوق الطوائف” لتمرير تعيين الأزلام والمحاسيب. فباسم “الميثاقية” و”تمثيل المكوّنات”، تُفرض أسماء محسوبة على هذا الزعيم أو ذاك، لا لشيء سوى لتكريس النفوذ وتحصين الموقع داخل الإدارة، حتى لو على حساب دولة تنهار إداراتها ومؤسساتها كل يوم”.
وتابع يونس: “فالتعيينات الإدارية والمالية لم تبنَ على الكفاءة أو الحاجة المؤسسية، بل تمّ تثبيتها كغنائم سياسية تُقسّم لإرضاء الزعامات (القديمة والجديدة) وتثبيت النفوذ الفاسد داخل الدولة”.
وقال: والأخطر أن هذا السلوك لا يقتصر على أهل النظام التقليديين، بل انسحب أيضًا على من ادّعوا التغيير والإصلاح. فهؤلاء، ما إن دخلوا دهاليز الحكم، حتى تبنّوا منطق المحاصصة بحجج “الواقعية السياسية” و”ضمان التوازن”، غير مدركين — أو ربما مدركين تمامًا — أنهم بذلك يُقوّضون أي أمل في بناء دولة مؤسسات مستقلة وعادلة.
واضاف يونس: وقد وضعت شريحة واسعة من اللبنانيين آمالاً كبيرة في الحكومة الجديدة، معتبرةً أنها تشكّل فرصة أخيرة قبل الانهيار التام. لكن هذه الآمال سرعان ما بدأت تتبخر أمام بشاعة مشهد تقاسم السلطة والمواقع، حيث يعود المنطق الطائفي والزعاماتي والمرجعياتي بكل ثقله، ويُختزل مفهوم الدولة إلى حفلة محاصصة يتقاسمها أهل النفوذ الجدد الى جانب القدامى.
وقال: فالمشكلة اليوم لم تعد فقط في غياب الرؤية الإصلاحية، بل في تكريس هيمنة الحسابات الطائفية (الانتخابية ضمناً) والمصالح الفئوية على ما عداها. فـهموم الناس لا تدخل في معادلات السلطة، بل تبقى في آخر سلّم الأولويات. المهم هو الحفاظ على الحصة، تأمين الموقع، والتحضير للاستحقاق المقبل… ولو على حساب آخر ما تبقى من الدولة.
📌والأنكى من ذلك، أن الملف السيادي الأول المتمثل بقضية السلاح، بات عند البعض يُدفع إلى الهامش، ويُعامل كقضية مؤجلة، لا كأولوية وطنية.
ولا يمكن الحديث عن منظومة المحاصصة دون الإشارة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي يُعتبر المؤسس الفعلي لهذا النهج منذ تسعينيات ما بعد الطائف. فقد حوّل الدولة إلى ساحة تَبادل مصالح، ونجح اليوم أيضاً في جر كل الآخرين إلى ملعبه، فباتوا يقلّدونه، حتى من رفعوا شعارات التغيير واللاطائفية. لقد فرض منطقأنا أُسمي وأنت توافق”، وتحولت التعيينات إلى عملية تبادل بين “الأرباب”، لا علاقة لها بمصلحة الدولة ولا بمستقبل أبنائها.
وختم يونس: وفي المحصّلة، كل ذلك ليس إلا لعبة سلطة فاسدة لا تمتّ بصلة إلى أوجاع اللبنانيين اليومية: من أزمة الكهرباء والماء والصحة والتعليم والبطالة والهجرة . إنها المنظومة نفسها (حتى لو تغيرت بعض الاسماء فيها) لا ترى في المواطن إلا خروفاً في قطيع، ولا في الدولة إلا بقرة حلوب!