بانتظار وصول الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتين الى بيروت في الساعات المقبلة، بقي الحذر يسود الأوساط الرسمية اللبنانية إزاء مستقبل المفاوضات حول وقف إطلاق النار. ومع أن لبنان صاغ رداً على المسوّدة الأميركية وسلّمها الى السفارة الأميركية في بيروت ظهر أمس، فإن منسوب التفاؤل لدى الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي تراجع بعد تأكيد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن حكومته ستفاوض تحت النار، ما عُدّ ضغطاً إضافياً، فيما حرصت السفارة الأميركية في بيروت على تسريب إشارات سلبية، وتبيّن أن خلف هذه التسريبات احتمال أن ترفض إسرائيل المسوّدة بعد إدخال تعديلات عليها، وبالتالي محاولة تحميل لبنان مسؤولية فشل التوصل الى اتفاق.
وقالت مصادر مطّلعة إن ما أشيع نهار أمس عن احتمال تأجيل زيارة هوكشتين مردّه الى أن الردّ اللبناني لم يكن قد وصل الى السفارة في عوكر بعد، علماً أن اتصالات المسؤولين اللبنانيين بهوكشتين لم تتوقف، وترافق ذلك مع اتصالات أجراها الرئيس نجيب ميقاتي بمسؤولين في فريق الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، لاستكشاف حجم دعم الإدارة الجديدة لمهمة هوكشتين، وسط مخاوف مستجدّة من أن تعمد إدارة جو بايدن الى مناورات لإفشال المهمة، في سياق إلقاء كرة اللهب في ملعب الرئيس الجديد بعد تسلّمه الحكم في 20 كانون الثاني المقبل.
ومع تمسك الأطراف الأميركية والإسرائيلية واللبنانية بعدم الإفصاح عن المسوّدة، فقد تبيّن أنها مؤلفة من نحو خمس صفحات تضمّ أكثر من 12 بنداً، وأن اعتبارها القرار 1701 أساساً لمشروع وقف إطلاق النار لا يجيب عن الأسئلة حول بندين رئيسيّين، أحدهما يتعلق بـ«مبدأ الدفاع عن النفس» الذي تدعو المسوّدة الى اعتماده كحق للطرفين، وآخر يتعلق بعضوية لجنة الرقابة على تطبيق القرار. إذ يرى لبنان أن «حق الدفاع عن النفس» مكرّس في القوانين الدولية، ولا يمكن إيراده في اتفاقية وقف للحرب، وإصرار إسرائيل عليه يبطن رغبة بأن «تحصل على شرعية لأيّ عمل تقدم عليه لاحقاً بإدراجه تحت بند الدفاع عن النفس»، وهو ما يرفضه لبنان بصورة قاطعة. أما في ما يتعلق بلجنة الرقابة، فإن لدى لبنان تحفظات حول عضوية بريطانيا وألمانيا وحول آلية العمل. غير أن المصادر أكدت أن النقاش حول البند الثاني أقلّ تعقيداً من الأول.
وفيما حرصت مصادر الرئيسين بري وميقاتي على عكس أجواء إيجابية والإشارة الى أن حزب الله يتعامل بإيجابية مع المشروع، استبعد رئيس حكومة العدو في اجتماع لجنة الخارجية والأمن في الكنيست أن تكون «التسوية في لبنان قابلة للتطبيق»، مشدداً على مطلب إسرائيل «بحرّية عمل للجيش الإسرائيلي وبمنْع إدخال أسلحة من سوريا». وقال نتنياهو: «قُدمت لنا 3 خيارات بشأن التعامل مع حزب الله، لكن كان لي خيار رابع هو تدمير قدراته الصاروخية (…) وسنمنع تعاظُم قدراته مجدداً».
بعد هذه التصريحات، نقل زوار عين التينة والسرايا أن نسبة التفاؤل تجاوزت الستين في المئة بعد ورود أجواء إيجابية من العاصمة الأميركية، لكن نقل عن بري قوله «لا تقول فول ليصير بالمكيول، والأمور بخواتيمها»، بينما أعرب ميقاتي عن الأمل بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار في «أقرب وقت»، مؤكداً أن «ردّنا كان إيجابياً». وقال ميقاتي في حديث إلى قناة «العربي» القطرية إن هوكشتين سيزور لبنان و«الملفات الضبابية تحلّ وجهاً لوجه». وأشار إلى أن «ردّ لبنان على الورقة الأميركية كان إيجابياً، ولكن بعض النقاط تحتاج إلى نقاش، ونأمل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في أقرب وقت».
وجاءت مواقف بري وميقاتي بعدما أشاعت السفارة الأميركية أجواء سلبية، وشكّكت في نتائج المفاوضات، معتبرة أن «ملاحظات لبنان حمّالة أوجه تحمل في ظاهرها إيجابية، لكنها تنسف الاتفاق ضمنياً»، وأن «حزب الله يحاول من خلال هذه الملاحظات أن يعفي نفسه أمام اللبنانيين من مسؤولية إجهاض الفرصة الأكثر جدية في بلوغ حلّ ورمي كرة إحباط هذا المسعى في ملعب إسرائيل، علماً أنه لا يزال يحاول حماية نفسه من البنود الأكثر حساسية والتي تمنعه من الالتفاف على آلية تطبيق القرار ١٧٠١ بحذافيره».
وقالت مصادر رسمية لبنانية، تعليقاً على ما تسرّب عن السفارة الأميركية، إن الحذر المستمر عند المفاوض الرسمي ليس محصوراً في ما قد يصدر عن حكومة العدوّ، بل في أن الجانب الأميركي يقوم بالتغطية على عجزه عن الضغط على إسرائيل، وخصوصاً أن إدارة بايدن لا تجد سبيلاً لعلاقة سويّة مع نتنياهو، علماً أن الأخير كان أمس شديد الصراحة في إعلانه أنه تحدّى إدارة بايدن مرات عدة في شأن العمليات التي قامت بها قواته في غزة. كما تحدث عن أزمة ثقة تجاه الإدارة الأميركية بإشارته إلى أنه لم يُطلع الأميركيين على العمليات الأمنية التي قامت بها إسرائيل في لبنان، خشية تسرّب المعلومات الى حزب الله.
ومع إعلان العدوّ أنه يفاوض تحت النار، وبعد عملية اغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في حزب الله محمد عفيف في قلب بيروت، وشن غارة تهدف الى بثّ الذعر ليل أول من أمس في شارع مار الياس، شنّ العدو أمس غارة ضد مركز خدمات مدنية في زقاق البلاط ما أدى الى سقوط خمسة شهداء، مبرّراً الجريمة بأنها استهداف لـ«غرفة عمليات لحزب الله».
لكن موقع «أكسيوس» القريب من وحدة الـ 8200 الاستخباراتية الإسرائيلية نقل عن مسؤولين إسرائيليين أن «تكثيف الغارات على بيروت هو لزيادة الضغط على حزب الله ليقبل اتفاق وقف إطلاق النار»، كما نقل عن مسؤولين أميركيين أن «إسرائيل طالبت إدارة بايدن برسالة جانبية تضمن لها حرية التحرك في لبنان».
وكشفت إذاعة جيش العدو عمّا سمّته «خطاب الضمانات الأميركية ضمن التسوية مع لبنان». وقالت إنه «بحسب الرسالة، فإن الولايات المتحدة تلزم الكيان بحرية العمل في مواجهة التهديدات المباشرة في لبنان، وإن الولايات المتحدة تدعم حق دولة الكيان في التحرك في لبنان ضد التهديدات التي لا يمكن تأجيل إحباطها».
وكشفت قناة «كان» الإسرائيلية أن هوكشتين سيناقش مسائل كثيرة تخصّ الجبهة مع لبنان، بما في ذلك ملف النقاط المتنازع عليها على الحدود البرية، وأنه اتّضح أنه كجزء من الاتفاق سيتم تحديد جداول زمنية لبدء مناقشة هذه القضية.