Site icon Lebanotrend

نهاية المافيا…أم حلم بالمكافحة؟ كريس تشوبوريان (جبّور)

منذ سنوات، اعتاد اللبنانيون على تقليد الأجانب في عاداتهم و تقاليدهم و ممارساتهم… في الوهلة الأولى اعتقدتُ أنها مجرّد إحدى نتائج العولمة فما إن يرى اللبناني مبادرة أو مشهد أجنبي يحاول نسخه في لبنان، و أبسط مثال على ذلك مشهد الغناء من شرفات المنازل في زمن وباء الكورونا…
لكنني تفاجأتُ عندما علمت أن تقليد الأجانب بدأ منذ التسعينيات، أي قبل العوملة بكثير، و بممارسات أخطر بكثير من مجرّد فيديو من هنا و صورة من هناك… تقليد متقن لمافيات دولية لكن بأدوات السلطة
مع نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، بدأت إعادة الإعمار و اعتقد الشعب اللبناني أن المنقذ أتى و وضع البلد على سكة الإصلاح و دولة المؤسسات… لكن في الواقع؟ لم يضع البلد سوى على سكّة الفساد و المافيا التي أدّت إلى الهاوية… و كأنّه له أصول إيطالية!
فيما شلح قادة الميليشيات بدلاتهم العسكرية و بدؤوا بربط ربطات العنق، غيّر البعض إستثماراته من ضخ المال لتمويل الحرب إلى إعطاء منح دراسية و بناء مسجد ضخم، ليس محبّة بالله بل لمنع المنافسة على زعامة الطائفة…
فعاش اللبنانيون الحلم و اعتقدوا أنهم أصبحوا على أبواب الجنّة… من جهة كان اللبناني غارقًا منذ سنوات في نهر من الدمّ فتمسّك بالأفعى حتّى لو كان يعلم أنها ستلدغه، و من جهة أخرى فإن اللبناني يتحمّل المسؤولية لأنه و حتّى يومنا هذا اعتاد على إختيار ممثليه دون التدقيق في سيرتهم الذاتية… فاختار بعض الناخبين صاحب شركة الجرّافات و المقاولات مهندسًا لإعادة بناء الوطن الذي موّل يومًا ما لدماره!
أوّل خطوة اعتمدها في مشروعه كانت مدّ جذوره في مؤسسات الدولة ليسيطر على قرارها. فبدأ بالنقابات حتّى وصل إلى النواب حين وضع مندسّين أزلامه في كل اللوائح كي يضمن الفوز في كل الأحوال… و هكذا سيطر على المجلس النيابي و بدأ بتمرير القوانين حسب مصالحه و أبرزها كان بيع عاصمة البلد إلى شركة خاصة بقانون مؤلف من مادة واحدة فقط!!! كان من الواضح أن مَن باع العاصمة بمادة واحدة قد يبيع الوطن بشخطة قلم…
علم هذا المستثمر و أصدقائه سريعًا أن الإعلام هو فعلاً السلطة الرابعة فهو قادر على تصوير الحجر كقطعة ذهب و إقناع الشعب بذلك. فقرّر السيد الكريم السيطرة على وسائل الإعلام أيضًا، و لأنّه قد سبق و سيطر على الحكومة و أصبح رئيسها، قدّم الرخص لوسائل إعلامية… مقابل خدمات تنظيف و تشطيف!
أمّا وسائل الرقابة فتسألون أين كانوا في ذاك الوقت؟ و كيف مرّ الفساد من تحت أعينهم؟ فأعضاء تلك المؤسسات الرقابية كديوان المحاسبة كان يعيّنهم هو و حتّى لو كان هناك من بينهم قاضٍ نزيه، فكان يطرح المشروع على ديوان المحاسبة مثلاً بعد تنفيذه ليصبح الديوان شاهد زورٍ، ينظّم بروتوكول و يضع ختمه على المشروع مفرّغًا بذلك دوره الحقيقي المبني على التصديق لإعطاء الموافقة أو الرفض لمنع الصفقة. أمّا لجنة التخمين التي قرّرت تسعير أملاك الشعب بسعر الردم… فاغتيل رئيسها سنة ٢٠٠٧.
أصبح هدف مشروعه هدر أموال الدولة لمصلحته الخاصة بدل النمو و الإزدهار، فقرّر إنشاء مجالس و مؤسسات موازية و صناديق: مجلس الإنماء و الإعمار بموازاة وزارة الأشغال و التخطيط، الهيئة العليا للإغاثة بموازاة وزارة الشؤون الإجتماعية،… و الصناديق هي ضحك على الشعب المسكين، فسلّم الذي هجّر الناس من بيوتهم صندوقًا لإعادتهم و كأنه قدّم له مكافأة مالية لطيبة قلبه طيلة سنوات الحرب!!
الأخطر من كل ذلك هو كيف صُرفت الأموال و كيف رست التلزيمات… فعلى سبيل المثال تقدّمت شركة أجنبية بعرض قيمته ٧ مليون دولار لمناقصة زجاج المطار و تقدّمت شركة أخرى مملوكة من ابن الرئيس بعرض قيمته ١٢مليون، و بالطبع لُزّمت شركة إبن الرئيس… و المضحك المبكي في تلك الحالة أنّ إبن الرئيس لا يعمل في هذا المجال فكلّف الشركة الأجنبية بالمهمّة و حقّق ربح صافي له و خسارة فادحة لخزينة الدولة ب٥ مليون!! و هذا أبسط مثل بالإضافة إلى تمويل مشروع بناء المدينة الرياضية من خزينة الهيئة العليا للإغاثة على اعتبار أن الحجر بحاجة إلى إغاثة و البشر يزحفون على أحواض النفايات، و غيرها من الفضائح…
مرّت السنوات و هكذا تكوّن الدين العام و تفشى الفساد في أروقة البلد…

هذه هي أعمال المافيا اللبنانية… تعلّم رجال المافيا اللبنانية المهنة من أسيادهم الطليان.
فماذا عن النهاية؟
المافيا تخف سيطرتها على الدولة و لا تختفي. و هذا ما حصل في إيطاليا في أواخر الثمانينيات، بفعل عامليْن أساسييْن: إنتفاضة قضائية و تعاون أحد أعضاء المافيا لجرّ زملاءه و حماية نفسه.

فهل تصبح القاضية غادة عون رمزًا لبنانيًا في مكافحة الفساد ك جيوفاني فلكوني، القاضي الإيطالي الذي انتفض مع زملائه القلائل ضد المافيا؟
و هل يصبح رياض سلامة مفتاح الصندوق الأسود الذي سيقلب الطاولة على رؤوس المافيا اللبنانية، ك توماسو بوشيتا الذي انتقم من زملائه في المافيا و سلّم نفسه باتفاق مبني على قيامه بكشف أسرار المافيا مقابل وضعه في المنفى؟