Site icon Lebanotrend

من يملك قرار العودة إلى الحرب؟

ابراهيم الأمين-

التفوّق النفسي للعدو في مجال توقّع خطواته التصعيدية، لا ينعكس بالضرورة على من يضع إستراتيجية واضحة للعمل. قد يكون من الصائب الحديث عن مخاوف ومحاذير إزاء ما عُرف عن الإطباق الاستخباراتي للعدو خلال المرحلة الماضية. وهو إطباق أخذ شكلاً مختلفاً بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار في مثل هذه الأيام من السنة الماضية. إذ بات العدو يركز على شكل جديد من العمل الأمني في داخل لبنان، مستهدفاً كامل بنية حزب الله المدنية والسياسية والعسكرية. لكن الحصيلة التي يمكن الإشارة إليها، ليست محصورة بالأهداف التي يختارها العدو في ضرباته المستمرة، بل في ما يريد القيام به من أجل تحقيق ما يقول لاحقاً إنه عمل أدى إلى «منع حزب الله من التحوّل مجدداً إلى تهديد جدّي لإسرائيل».

عملياً، يسمع الجمهور ويرى ما تقوم به إسرائيل. ويسمع أيضاً كل التهويل الإعلامي والسياسي الصادر عن الولايات المتحدة والغربيين وحلفاء إسرائيل من اللبنانيين. لكنّ الجمهور عندنا، وحتى عند العدو، لم يعد يسمع كلاماً واضحاً أو مفيداً أو كافياً للإشارة إلى ما يقوم به حزب الله. والكل يتصرف على قاعدة أن هناك صفحة قد طويت. لكن الأمر لا يقف عند هذا الحد بالنسبة إلى كيان العدو. لأن جوهر الأمر، يتعلق بأن إسرائيل تدرك بطبيعتها، أن ما تواجهه من أعداء في محيطها المباشر، لا تنفع معه الضغوط بشكلها التقليدي، وهو ما يجعل العدو يتحدث دائماً عن حاجته إلى القيام بمهمات جراحية لأجل احتواء أي تهديد وإزالته بأسرع وقت ممكن.

وبناءً على كل ما حصل في العام الماضي، يبدو أن إسرائيل ترى أن حزب الله ليس في أسوأ أحواله. بعدما كانت تراهن كل الوقت على أنها أزالت وضعية الحزب الذي يقول إنه في أفضل أحواله. وهذا التبدل، يعني أمراً واحداً: كيف ستعمل إسرائيل على توجيه ضربات تعتقد أنها ضرورية لإبقاء الحزب في حالة من الوهن والارتباك، ما يحول دون عودته إلى موقع التهديد الإستراتيجي؟.

لا تنظر إسرائيل إلى الحزب كحالة موضعية في لبنان فقط، بل ترى الأمر كجزء من خطتها لمواجهة كل قوى المقاومة، وتعتبر أن بقاء الحزب واقفاً على قدميه، وفعالاً، ينعكس حكماً على ساحات مثل سوريا وفلسطين والعراق واليمن. وهذا ما يجعل الكيان يعود من جديد إلى التعامل مع الحزب، كمؤثر مركزي في حركة قوى المقاومة. ويكفي الإشارة إلى ما يتسرب عن مفاوضات غزة، من أن إسرائيل تريد فرض وقائع جديدة كما هو الحال في لبنان، من أجل إفهام الفلسطينين، بأنهم ليسوا في وضع أفضل من حزب الله، وأن عليهم الانصياع والخضوع.

وإذا كانت التقديرات حول ما يمكن أن يقوم به العدو، تستند إلى الصورة النمطية عمّا قام به في العامين الماضيين، فإن الحديث عن التوقيت يبقى هو أيضاً رهن خطة العدو العسكرية. وفكرة المفاجأة الأمنية التي تميزت بها إسرائيل في مواجهة حزب الله وإيران، تبقى حاضرة في الأذهان، والهدف من ذلك، ليس التحوّط فقط، بل محاولة التثبت من أن العدو، قد لا يكون بين يديه أدوات للعمل غير ما جربه في السابق، سواء في ما خص الأعمال الأمنية – العسكرية، أو موجة التدمير الوحشي كما فعل في غزة.

في الشق الأمني، تدور معركة كبيرة خلف الكواليس، نشاط محموم للاستخبارات الإسرائيلية على كل الساحة اللبنانية، مع جرعة أعلى من الجرأة في الحركة والدخول إلى لبنان، بالتزامن مع تعاظم النشاط الأمني لعواصم غربية وعربية تربطها بإسرائيل علاقات عمل وتعاون، ويُضاف كل ذلك، إلى البنية السابقة التي عملت إسرائيل على بنائها خلال عقود في لبنان.

ويبدو من بعض المؤشرات، أن إسرائيل، تفكر بطريقة تستهدف في الأساس توجيه ضربات قوية إلى المقاومة، لكنها صارت مهووسة بالاستعراض الذي يُصاحب أعمالها الأمنية. وبهذا المعنى، فإن بعض ما ظهر في هذه الحرب، يشير إلى مساعي إسرائيل الانتقال في العمل في لبنان، من مرحلة جمع المعطيات وعمليات تنفيذ موضعية، إلى مرحلة إقامة قواعد عمل في لبنان، قادرة على العمل في أكثر من جهة.

ولذلك، فإن بعض الخبراء، يشيرون إلى أن العدو يفكر جدياً في القيام بعمليات كومندوس كبيرة هدفها الوصول إلى منشآت عسكرية لا يمكن للقصف تدميرها، وكذلك الوصول إلى مستوى خطف وأسر قادة سياسيين أو عسكريين من الحزب، وأن مساعي إسرائيل هذه، تحتاج إلى بنية تحتية في لبنان، فيها الجانب اللوجستي، لكن فيها العنصر البشري المساعد أيضاً. وهو أمر سبق للعدو أن قام به لمرات عدة في سنوات الصراع الطويل معه. لكن، قد يكون العدو بحاجة إلى أعمال من هذا النوع، في حال كان يعتبر أن الاجتياح البري التقليدي ليس مناسباً له.

أما في ما خص احتراف العدو للتدمير والقتل، فإن إسرائيل معنية بأن ترسم لنفسها إطاراً للعمل، وهو ما فعلته منذ اليوم الأول للمواجهة التي انطلقت بعد قرار حزب الله إسناد غزة، مروراً بالمواجهة الكبيرة الخريف الماضي، وصولاً إلى الاعتداءات القائمة الآن، إذ يحاول العدو بجهد كبير، أن يحصر هجماته على الحزب، ضمن بنك أهداف له صلة بالجسم العسكري المباشر أو الجسم المعاون للجسم العسكري. وهو يفعل ذلك، ليس رأفة باللبنانيين، بقدر ما يرى في الأمر توازناً يربك الحزب ويمنعه من استهداف منشآت إسرائيلية مدنية.

لكن الأمر قد يتحول إلى فوضى، في حال لم تكن إسرائيل واثقة من معطياتها حول الأهداف المطلوبة، أو في حال نجح حزب الله في جعل المجهول منه أكبر من المعلوم. وهو ما يدفع العدو إلى مستوى جديد من التوتر، الذي قد يقوده إلى أعمال إجرامية. لكن الأكيد، أن إسرائيل تدرك جيداً، بأن كسر هذه المعادلة قد يفتح الباب أمام أمور لا تريدها أن تحصل داخل الكيان، وهو عنصر حاضر في عقل صاحب القرار الإسرائيلي بمعزل عمّا يقدر حزب الله على القيام به.

عملياً، فإن ما يجري من تطورات سياسية ومن ضغوط أميركية كبيرة على لبنان، واستمرار التصعيد الميداني من قبل العدو، يجعل أي مراقب يفهم أن الأمور تتجه إلى نقطة صدام، قد تعيد تفجير المشهد الأمني والعسكري بين لبنان وكيان الاحتلال. ومع أن الكل يعرف، أن خطوة كهذه لا تزال بيد المقاومة أولاً، فإن احتمال تورّط العدو في مغامرة كبيرة، قد يكون أساساً لحصول هذا التدهور، لكنّ الأهم في كل ما سبق، هو السؤال عن الموقف الأميركي، لأنه بات من الصعب بعد كل ما حصل، أن يصدق أحد بأن إسرائيل تقدر لوحدها على اتخاذ قرار بشن حرب جديدة، سواء في لبنان أو فلسطين أو إيران أو حتى في غزة…